الأربعاء، 21 مارس 2012

فـي الفيدرالية


فـي الفيدرالية
الحلقـــــة (1)                                                                بقلم : إبراهيم السنوسي إمنينه
19/3/2011 م             
حدث ذات يوم في مدينة البيضاء
ذات يوم بينما كان أحد الوزراء في حكومة المملكة الليبية في العام 1961م يلقى خطاباً في جمع من الناس في مدينة البيضاء ، وهو يتحدث عن موضوع يتعلق بخطة  التنمية ، وكان قد استغرق في تفاصيل تلك الخطة وكان قد أخذه الحماس – ويبدو أن الجموع كانت في غالبيتها على مستوى متواضع من الوعي إذ قال هذا الوزير مستطرداً (....وهذا الموضوع لا غرابة فيه ....) فضجّت القاعة بالهتاف من بعض الحاضرين بصوت واحد يقول :-
إيوه .... إيوه .... فكّونا من الغرابة 
وكان قبل ذلك بزمن قصير قد أجريت انتخابات نيابيه في طبرق ...عندما تقدم أحد المواطنين – وهو صاحب محل تجاري أصله من مصراته – تقدم ليدلي بصوته – ولكي يقوم بذلك ، كان عليه أن يرتقى الدرج ليصل إلى صناديق الانتخاب ، فما كان من أحد الناخبين من سكان المدينة إلا أن قذفه بحجر ليصيبه في رأسه فيسقط متدحرجاً من أعلى ذلك السّلم من الدرج وكان هناك يقف أحد رجال " البوليس " لحماية الناخبين من الشعب من بعضهم في حالة حدوث شغب بسبب التدافع على صناديق الانتخاب بسبب الحماس والمنافسة ، وبينما كان ذلك "البوليس" يحاول اسعاف ذلك الناخب الجريح بنقله إلى المستشفى لتلقي الاسعاف السريع ، إذ صاح به ذلك الناخب الذي ألقى بذلك الحجر قائلاً : "شيله لمصراته يسعفوه ويرشّح غادي" !!!
بعد ذلك بحوالي العامين وبالتحديد خلال شهر نوفمبر 1963م أعلن الملك إدريس قيام " المملكة الليبية " دولة واحدة وليست متحدة كما كانت منذ إعلان الاستقلال . وكنت في ذلك الوقت أي في العام 1963م أبلغ من العمر 24 عاماً ، غير أنني لم أدرك الفرق لا في المعنى ولا في الغرض ولا في الممارسة ، ولم يخطر على بالي حادث مدينة البيضاء المضحك ولا حادث مدينة طبرق المبكي ، ومرت الأيام تطوى إلى أن جاءت عصابة سبتمبر 1969م ....حين بكى الكبار الذين يعرفون ، وصفق الصغار أمثالي الذين لا يعرفون ، وكان الويل للذين لا يعرفون من الذين يعرفون ، كما قال طه حسين واستمر ذلك الويل على مدى أربعين سنة ويزيد .
وبالرغم من أن هذا الواقع والممارسة طيلة تلك السنوات العجاف الأربعين كان واقعاً مريراً ، وكان بمثابة ممارسة وتجربة عقيمة ومفعمة بالقهر والغبن والبيروقراطية المهينة ، إلا أنني "شخصياً" لم أكن لأفهم مردّها وأصولها واسبابها ، فلم يكن النظام فدرالي لكي يفسّر الأمر على أساس أن النظام هو السبب فهو مزيج من الفدرالية والمركزية ، فقد كان النظام الملكي خلال الأثنتي عشر سنة الأولى فدرالياً غير أنه لم يكن نظاماً ظالماً ، بل مضحكاً إذا كان القياس بما حدث في مدينة البيضاء ، ولم يكن مأساوياً لما حدث للناخب المصراتي في مدينة طبرق بقدر ما كانت حالة فردية منفصلة وفي بعض الأحيان طريفة . وأصبح النظام ملكياً دستورياً برلمانياً لدولة موحدة وغير فدرالية ولا كونفدرالية لمدة تسع سنوات في العهد الملكي من 1963م إلى 1969م ، ولم نشعر خلال تلك السنوات التسع بأي تغيير .
ولا أستطيع القول أيضاً بان النظام كان قبلياً أو عنصرياً أو جهوياً أيام الفيدرالية الملكية أي في الفترة ما بين 1951م إلى 1963م ، ولا حينما أصبحت الدولة تعرف بــ" المملكة الليبية " أي من العام 1963م إلى 1969م ، إلا في حالات بسيطة تعد على أصابع اليد الواحدة ، كان يفصل فيها الملك بحكمته المعهودة ، إذ كان يقيل رؤساء الوزراء ، ويعينّهم من كافة الأقاليم : فزان وطرابلس وغريان وبنغازي ومن درنة ومن الجبل ، ومن قبائل مثل البراعصة والعبيدات والعواقير ومصراته ومن مختلف الأطياف ، وينسحب ذلك على سفرائنا في الخارج ، ورؤساء المجالس النيابية والشيوخ والسلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية والقضاء الأعلى والجامعات ودار الإفتاء – وذلك إعمالاً للحق والمساواة ومراعاة العدل بين الأطياف المختلفة .
إذن فلم يكن هناك مكان أو مجال أيام ذلك الحكم الذي استمر 18 عام بنظامين فيدرالي وموحد ، للجهوية أو القبلية أو العنصرية (Under good control) فلماذا يا ترى ؟
لأن العدل والمساواة كانا سائدين ، فمثلاً عندما ارتكب أحد أبناء عمومته ، أي الملك وهو : الشريف محيي الدين السنوسي جريمة قتل لأحد مستشاريه يوم 5/10/1954م أصرّ على ان يأخذ القانون مجراه وأن يُعدم ذلك القاتل ويطبق عليه قول الله عز وجل ﴿ ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ﴾ بصرف النظر عن رأي القانون والاجراءات القضائية أو الدفوع المقدمة ، وذلك بأسرع ما يمكن .
وعندما قامت عناصر ليبية كان قد ضيّعها وأضلّها القنصل المصري في بنغازي أيام عبد الناصر عام 1965م ، وقاموا بتفجير خزانات وأنابيب النفط في ليبيا ، وحُكم عليهم بالإعدام ، بدّل الملك الحكم بالسجن المؤبد ، ثم بعد ذلك بسنوات قليلة أصدر العفو الملكي ، وصاروا طلقاء ، لماذا ؟
ذلك لأن السلطة والنظام مؤمّنيْن ، والقانون سائد ، والقضاء مستقلّ ومفعّل ، والأمن الداخلي والحدودي مؤمنّيْن ومفعّليْن أيضاً ، ولم يكن هناك وزير يجرؤ على أن يصفع صحفياً بالكف أمام الملأ ! مثلاً ، ولم يكن هناك وزير يهدّد ويقول : أننا لم نستعمل القوة بعد ! مثلاً . ولم يكن هناك مصور صحفي ليُقتل على بوابة سرت خلال شهر مارس 2012م دون التحقيق في الموضوع (الجريمة) ولم يكن هناك رئيس مؤقت يهرب إلى مدينته (البيضاء) ، مسقط رأسه ، عندما علم بمجيئ الأرتال إلى بنغازي يوم 19/3/2011م ، وترك شعبه في بنغازي فريسةً للوحوش القادمة من سرت لتأكلهم وتغتصب حرائرهم ، لولا أن هبّ نسور الجوّ من قاعدة بنينا الجوية للهجوم على تلك الأرتال فعطلتهم ودفعتهم إلى الوراء وقضت على ما شاء الله منهم ، وهؤلاء الشهداء الأبرار هم :-
1- محمد فتحي جاب الله        2- إبراهيم بدر محمد خليل  3- حسين محمد عوض الورفلي
4- فخر الدين علي الصلابي    5- المهدي رشيد السمين    6- محمد مبارك العقيلي
7- جمال عبد الكريم العجيلي    8- أسامة علي العقوري
نسأل الله لهم الجنة واحتسابهم عنده ورحمته لهم ، في هذا اليوم الاثنين 19/3/2012م الذكرى الأولى التي تمر على استشهادهم ، حيث لم تذكرهم يا سيادة المستشار ولم تستمطر شآبيب الرحمة عليهم ولا تعترف لهم بالجميل الذي هم أولى به ممن ذكرتهم من الأجانب – لا غفر الله لك .
أيضاً لم يكن هناك رئيس مؤقت يصف شريحة من شعبه بأنها عميلة لجهات أجنبية مع ان تلك الشريحة كانت فقط تطالب بالحرية في إختيار نظام الحكم الذي تنشده تلك الحرية التي حُرم منها "ذلك المتهم" بالعمالة وهو السيد أحمد الزبير السنوسي الذي اتهمته بالانشقاق والذي كان قد مكث في سجون العهد البائد مدة 31 عاماً ، ومن قبلها كان قد نُفي خارج البلاد دون ذنب اقترفه سوى مطالبته بالحريّة ، فضلاً عن أنه سليل الملوك الأدارسة الأشراف في المغرب الأقصى والمجاهدين ضد الفرنسيين في تشاد والجزائر وضد الطليان في ليبيا والانجليز في مصر – ذلك جده لأبيه السيد أحمد الشريف السنوسي رحمة الله عليه – شئتم أم أبيتم .
نعم لم يكن هناك وجود في ذلك العهد لأي مسئول من أمثال مسئولينا اليوم في المجلس والحكومة يتجرأ على التلفّظ بتلك التهم والتجاوزات والسب والقدح والتشهير بمواطنيه من الأشراف أو حتى البسطاء منهم – هل علمتم لماذا ؟
لأنه كما سبق وذكرت أعلاه بأنه كان هناك قانون سائد ، وعدل ومساواة وولاة يخشون الله في رعيتهم ويقيمون الحق في حكمهم لشعوبهم وهم كارهون للسلطة والتشبث بكرسيها ، ولم يبيعوا الوطن !!

 ؛ ؛ ؛ ؛ وإلى اللقاء في الحلقة الثانية لنتحدث عن الفيدرالية
لأنه قد اتضح لي أنه لا الشعب ولا المجلس يفقهون شيئاً عنها .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق