الأربعاء، 21 مارس 2012

(( قتل غير مشروع وغير متكافئ وتمسك بالسلطة يفرز ضحايا في سبيل الانعتاق والحرية عبر التاريخ))



(( قتل غير مشروع وغير متكافئ وتمسك بالسلطة يفرز
 ضحايا في سبيل الانعتاق والحرية عبر التاريخ))
بقلم إبراهيم السنوسي أمنينه

قال الشاعر: جميل صدقي الزهاوي

ماذا على السلطان لو أجرى الذي
             يشتاقه الأحرار من إصلاح
تالله لومنح الرعية حقها
              لفداه كل الشعب بالأرواح

الخلاف حول تفسير التاريخ ليس ظاهرة ترف، ولا هو مجرد خلاف حول تفسير الماضي، بل هو في الدرجة الأولى خلاف حول الطريق إلى المستقبل، والأمم تهرع دائماً إلى تاريخها في لحظات محنتها..
تستمد منه الإلهام والدعم النفسي. بينما يلجأ خصومها دائماً إلى تزييف التاريخ وتشويهه لتضليل الحاضر وإفساد الطريق إلى المستقبل


من كتاب "ودخلت الخيل الأزهر"، تأليف محمد جلال كشك.


شهد التاريخ خلال القرون الماضية أنهاراً من الدماء الباردة تراق دون وجه حق، في سبيل التمسك بكراسي السلطة في معارك غير متكافئة وفي ميادين غير شريفة سمتها الغدر والخيانة، وعلى ضفاف هذه الأنهار تقف شريحتان متناقضتان من الشعوب وآخر السفاحين الواقفين على إحدى هذه الضفاف هو BGABGO بغاغو الرئيس السابق لساحل العاج الذي خسر انتخابات الرئاسة أمام منافسه الحسن وتارا، بإشراف الأمم المتحدة غير أنه أصر على عدم مغادرة الكرسي، وجيش جيوشاً ومرتزقة لمؤازرته في إحكام قبضته على شعبه مثلما فعل ملك ملوك أفريقيا المشعوذ، وسالت دماء وشاعت الفوضى واضطربت شؤون البلاد، والقتلى بالجلة في الشوارع وكذا الاغتصاب والسلب والنهب والاختطاف إلى أن أتى أمر الله وأختطفه الفرنسيون من غرفه نومه بملابسه الداخلية – هكذا مصير ونهاية الطغاة المتغطرسين و نفس المصير سوف يلقاه ملك ملوك أفريقيا حيث سوف يقتحم ملجأه يلتقطه بقوة هو ومن والاه ويطير به ممسكاً "بشفشوفته" وجسده يترنح في الفضاء راقصاً رقصة الديك الذبيح.
وإذا تجاوزنا ما قام به محمد علي باشا في مصر خلال القرن التاسع عشر بما يعرف بمذبحة المماليك في القلعة للاستحواذ على السلطة دون منافسة، وكذلك ما قام به يوسف القره مانلي يوم 15/9/1817 بما كان يعرف بمذبحة الجوازي حيث غدر بأكثر من أربعين شيخاً بقصر الحكومة الذي كان يقع في مكان سينما البرنتيشي اليوم قبالة البحر وميناء بنغازي، وسير الجيوش نحو أخيه أحمد بقيادة ابنه محمد وكان الأول قد أجتزأ درنة عام 1809 واستقل بها مما انتهى إلى وقوع المذبحة  المذكورة سلفاً ونتج عن ذلك نزوح قبيلة الجوازي إلى مصر نهائياً، وكل ذلك كان نزاعاً غير متكافئ على السلطة وتمسكاً بها من جانب الطرف الأقوى، أقول إذا تجاوزنا عن هاتين المذبحتين  الشهيرتين في مصر وليبيا فإننا لا نستطيع أن نصرف النظر عما حدث في الأردن عام 1970 من مقتله قام بها الملك حسين بن طلال ضد الفلسطينيين حيث قتل منهم حوالي 70 ألف عنصر كانوا قد قالوا لا للاستبداد وطالبوا بشئ من الحرية. كذلك فإننا يجب ألا ننسى من قتلهم كل من الملك الحسن الثاني والحبيب بورقيبة من معارضين قالوا لا مثل: المهدي بن بركة الذي عذبه وقتله الجنرال المغربي أو فقير، ومثل يوسف بن صالح الذي اغتاله الحبيب بورقيبة في المنفى بواسطة البشير زرق العيون ولا ننسى أيضاً من صفاهم جمال عبدالناصر وعلى رأسهم العلامة الفقيه سيد قطب، في سبيل الحفاظ على الكرسي في ظل حكم مستبد جائر.
وإذا نسينا كل ذلك فإننا لا ننسى رغم مرور الزمن ما وقع في صدر الدولة الإسلامية خلال القرن الهجري الأول من حدث جلل له من آثاره المريرة والخطيرة ما تعاني منه الأمة الإسلامية حتى الآن من انقسام وتشرذم.
وكان ذلك الحدث قد بدأ برغبة جامحة وغير مشروعة للوصول إلى كرسي الخلافة (مثل أي محاولة انقلابية) من جانب معاوية بن أبي سفيان، وبروز حل سياسي للأزمة وذلك بتحكيم "أبو موسى الأشعري" وعمرو بن العاص وما صار فيها من تواطئ وانحياز غير شريف أدّي في نهاية الأمر إلى اغتيال الإمام علي، وترسيم معاوية ومن ثم ترسيخ مبدأ التوريث لأول مرة عبر إراقة سيول من الدماء الزكية من أعداد لا تحصى من الشهداء منها الحرائر والأطفال على رأسهم أبوالشهداء الحسين بن علي رضي الله عنهما، ودام ذلك اللانظام تسعين عاماً ونيف إلى أن أتي أمر الله.
وفي هذا العام 2011 لم ينصاع الرئيس السابق زين العابدين بن علي لرغبة شعبه بعد 23 عاماً من التسلط ، ورفض أن يغادر في سلام إلا بعد ما أراق ما كان لا يجب أن يراق من دماء زكية كل ذنبها أنها طالبت بقدر معقول من الحرية في التعبير والتمثيل.
ومن بعد، في مصر التي لم يغادرها حسني مبارك إلا بعد أن دهست العربات المصفحة أجساد مواطنيه المتظاهرين والمعتصمين سلمياً، وبعد أن اخترق الرصاص الحي رؤوسهم وصدورهم العارية، وبعد أن هاجمتهم الخيول والبغال والإبل في ميدان التحرير التي كان يركبها "بلطجية النظام" ورواد السجون" الذين أطلق سراحهم وصدرت لهم الأوامر بالقتل.
ونمّر باليمن السعيد وزعيمه العقيد وكرسيه العتيد الذي لا يزال متمسكاً ومتشبثاً ببقايا نظام مهترئ بالرغم من مناشدة الملايين من شعبه برحيله بمظاهراتهم واعتصاماتهم بصدورهم العارية لا يحملون سلاحاً إلا إصرارهم على رحيل هذا العقيد السفاح حيث يقتلون بالعشرات كل يوم بالرصاص الحي أو باستنشاق غاز الأعصاب المصنّع في إسرائيل والذي زوده به ملك ملوك أفريقيا المشعوذ.
وحيث دخلنا قارة  آسيا فلابد أن نذكر الحلوائي بن الحلوائي بشار بن حافظ الوريث الغير شرعي ولا دستوري لنظام استبدادي في سوريا حيث القتلى والجرحى والمخطوفين بالآلاف وحيث الحصار القاتل والمآسي الإنسانية حيث لا غذاء ولا دواء والأطفال جوعى إن لم يكونوا أيتاماً في بانياس في الشمال ودرعا في الجنوب واللاذقية وحمص وغيرها من مدن سوريه، وحيث يتبع هذا الحلوائي خطوات الشيطان والده الذي كان قد قصف مدينة حماه بالطائرات والدبابات وفي مسجد واحد قتل خمسة آلاف مصلّي في عام 1980 كل ذلك لأنهم قالوا لا للاستبداد.
ونعود للوراء قليلاً ففي عام 1956 من القرن الماضي عندما حاولت دولة المجر التي كانت ضمن منظومة ما كان يسمى بالاتحاد السوفيتي حاولت الاستقلال وثار شعبها دهسته الدبابات الروسية بأمر من خروتشوف وبولغانين فخبأت الثورة وخبأ وهجها وعاد الشعب إلى استكانته يلملم جراحاته ويدفن قتلاه في صمت.
وعندما ثار طلبة الصين عام 1989 دهستهم دبابات "شينغ شياو بنغ"، وعندما عبر نواب برلمان موسكو عن رأي يخالف رأي يلتسن زحف عليهم بالدبابات في منتصف التسعينات فعضّوا على نواجذهم واستكانوا إلى أن جاءهم الفرج بسقوط حائط برلين ابتداء ثم بإنهيار إمبراطورية الاتحاد السوفيتي انتهاءً وأصبح القطبان قطباً واحداً.
وأنا لا أعتبر ما قام به الجنرال عبدالرحمن سوار الذهب في منتصف الثمانينات بالسودان عندما أطاح بالنميري الدرويش ووعد بتسليم السلطة للشعب في غضون ستة أشهر، يؤهله للوقوف على ضفة الحكماء والعقلاء وبالرغم من أنه صدق بوعده فيما يتعلق بالشق الزمني والنوعي بالنسبة لتسليم الحكم لسلطة شرعية منتخبة على رأسها السيد صادق المهدي رئيس حزب الأمة، غير أنه أي السيد عبدالرحمن سوار الذهب عندما قفل عائداً بجيوشه إلى الثكنات لم يفطن إلى ضابط دموي يحمل اسم عمر البشير وهو يتربص بالبلاد كالقناص حتى إذا ما واتته الفرصه أطلق الرصاص وأسقط النظام وأحكم قبضته على البلاد وكان ما يجب على سوار الذهب فعله عندما عاد إلى الثكنات بجيوشه هو أن يترقب ويحمي إنجازه الفريد من نوعه ويحافظ على أمن البلاد وقيام الديمقراطية والقضاء على البشير وأمثاله وكانت أولى النتائج وأولى الضحايا إعدام 37 ضابط من الجيش السوداني في شهر رمضان وسفك دم وتشريد مليون سوداني في دار فور فيما تلا تلك الحادثة من سنين وهكذا قد حرم سوار الذهب نفسه من شرف الوقوف على الضفة التي يقف عليها الحكماء الثلاثة والعظماء الثلاثة لكي يكون رابعهم، ولكن لكل جواد كبوة ولكل عظيم هفوة ربما كلفته فقدان ذلك الشرف.    
أما هنا في ليبيا فالحديث ذوشجون، والأمر يختلف تماماً عند تفسيره وبحث أسبابه ومنشئه وخلفيته وكيف جاء ومن هم وراءه وكيف يرحل ومتى يرحل؟.
ولكي لا نسهب في الحديث عنه فإننا نختصره في جملة واحدة وهي أن تركيبة هذا النظام في الجوهر هي طبائع استبداد وتسلط وميكافيلية وسطو على ثروات شعب وتجهيل وتقتيل وسجن. ومحو للذات وإلغاء للشخصية وتغييب ونفي ثم ملاحقة ومتابعة حتى الموت وتسفيه للعقول وكذب وتسطيح للأمور وغرور واغترار وتغرير وزهو بالذات ونرجسية، وجبن وغدر وحقد وكفر وجحود وإلحاد ولا رجوله ولا شهامة ولا رهبة لله ولا دين ولا رعاية لرعيّة ولا رأفه بها ولا خوف من يوم حشر وحساب بل شعوذة وسحر حيث يؤوي في باب العزيزية أقطاب سحرة أفريقيا السفليين ممن يعلمونه فنون السحر الأسود – ولكن لا يفلح الساحر حيث أتي، مخادع، مخاتل مثل اليهود لا يؤمن بالبعث (وكانوا يقولون   أئن متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون) – الواقعة .
هذا من ناحية الجوهر، أما من ناحية المظهر: فمن وجهة نظره أفريقيا هي الأندلس الأرضي ويطلب من شعبه الهجرة إليها ولشعبه الحق في ثروة النفط إنه وعدهم بذلك أكثر من مرة وحيث سلمهم السلطة يمارسونها على كراسي المؤتمرات أربع مرات في العام، وبالنسبة للسلاح خصم من كل مواطن مبلغ 300 دينار بالتقسيط المريح ثمناً لبندقية لم تستلمها حتى الآن، أما بالنسبة للثروة فأسألوا أبناءه الذين "يبعزقونها" شرقاً وغرباً على بنات الليل ونوادي الكرة ولا ننسى نصيب الفريق الدكتور عائشة منها وكذلك الوالدة الأم وكيفية " بعزقتها" معروفة للجميع في هوتيلات لندن وأوروبا ومحال الأزياء في فرنسا والنمسا وسويسرا، ويبعزقها هو على الأفارقة السحرة وملك ملوك أفريقيا لا هو زعيم ولا هو رئيس ولا يملك ولا يحكم ولقد سلم الشعب السلطة عام 1977 وانتحى جانباً في خيمته يطالع كتابه الأخضر الذي لم يكتبه، ويستعد لتأليف الفصل الرابع تحت عنوان " أنا فهمتكم ولا للتوريث ولا للحكم مدى الحياة".
قال حكيم:
إن البلية أن يكون الرأي بيد من يملكه دون من يبصره.
وختاماً: فإنه يجب ألا ننسى الشهداء الذين غدر بهم في المنفى ونترحم عليهم – لا لشئ إلا أنهم قالوا لا للاستبداد. وهم كثر لا يحصون غير أننا نذكر منهم الأستاذ محمد مصطفى رمضان والأستاذ عمرو النامي والدكتور منصور رشيد الكيخيا، وطوابير من الكفاءات والعلماء في الاقتصاد والسياسة، راحوا شهداء الكلمة والحق غفر الله لهم ورحمهم جميعاً وأدخلهم رضوان جناته ليختصموه أمام الله يوم اللقاء حين لا ينفعه لا بوتفليقة ولا بوتن ولا إدريس دبي ولا نتن ياهو ولا إبليس وكلهم سوف يقولون له " إني أخاف الله رب العالمين " وقال حكيم في مثل هذا الحاكم:
يسوسون البلاد بغير عقل            فينفذ أمرهم ويقال ساسة.
فـأف من الحيـــاة وأف          من زمـن رئاسته خساسة
هذا ما تيسر لنا ذكره عن الواقفين على نهر الدماء والذين يركبون رؤوسهم ويصرون على مواقفهم المتشبثة بالسلطة بتغييب العقل والعدل والديمقراطية وتجاهل الآخر، فماذا عن الضفة الأخرى التي يقف عليها الذين يحكّمون العقل المنطق ويحترمون الآخر ويعترفون بحقه في الحرية والحياة الكريمة ولا ينكرون عليه نصيبه في ثروة الوطن ومساهمته ومشاركته وحضوره وإبداء الرأي بالموافقة أو بالمعارضة أو التوجيه.
ونبدأ من ليبيا عام 1969:
قام الملك إدريس السنوسي – ملك ليبيا السابق في منتصف الستينات من القرن الماضي بتقديم استقالته والتنازل عن عرش المملكة عندما شعر بالوهن الجسدي وخشي أن يظلم الناس، وذلك على إثر مقدمات وإرهاصات لحراك بتحريض مصدره تيارات سياسية مختلفة الهوى منها الناصرية والشيوعية والبعثية وأحزاب أخرى، وعلى إثر ذلك توجهت مسيرة من بنغازي مؤلفة من عدة قبائل هم الحرابي والسعادى مكونة من (ستين ألف بنداق) وباتو ليلتهم على أعتاب مقر الملك في طبرق مطالبين الملك بالعدول عن استقالته، ودرءً لحصول فتنة لا يعلم تبعاتها إلا الله ، قرر الرجوع عن الاستقالة نزولاً عن رغبة الشعب، ولكنه كان قد بيّت في قرارة نفسه أمراً لا يعرفه إلا الله.
وبتاريخ 4 أغسطس 1969 الموافق 21 جمادى الأولى 1389 هـ أرسل استقالته من اليونان موجهة إلى كل من المرحوم الشيخ المجاهد عبدالحميد العبار رئيس مجلس الشيوخ آنذاك والمرحوم حسين مازق – حيث كان يقضي وزوجته إجازة للراحة والاستجمام في اليونان – وقال أنه يشعر بأن حالته الصحية وتقدمه في السن لم يعودا يسمحان له بتحمل مسئولية البلاد والعباد.
وفيما يلي نص الاستقالة والتنازل عن العرش:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
أما بعد ، يا أخواني الأعزاء رئيس وأعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء مجلس النواب، يعني مجلس الأمة الليبية، ورئيس الحكومة الليبية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
أقدم لكم هذا الخطاب قائلاً، منذ أن قلدتني هذه الأمة الليبية الكريمة ثقتها الغالية بتبوئي هذا المقام الذي شغلته بعد إعلان استقلال بلادنا العزيزة ليبيا، قمت بما قدر الله لي ما أراه واجباً على نحو بلادي وأهلها وقد لا يخلو عمل كل إنسان من التقصير وعندما شعرت بالضعف قدمت استقالتي قبل الآن ببعض سنوات وطوعاً لإرادتكم سحبتها، وأني الآن نسبة لتقدم سني وضعف جسدي أراني مضطراً أن أقول ثانية إني عاجز عن حمل هذه الأمانة الثقيلة، ولا يخفي ان بُليت في سبيلها خمسة وخمسين سنة قبل الاستقلال وبعده قد أوهنت جسدي مداولة الشئون وكما قال الشاعر: " سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانون حولاً لا أبالك يسأم".
وقد مارست هذه القضية وعمري 27 سنة والآن في الثانية والثمانين ولله الحمد أتركها في حالة هي أحسن مما باشرت في بلائي بها، فأسلمها الآن لولي العهد الحسن رضا المهدي السنوسي البالغ من العمر 43 سنة هجرية ، الذي يعتبر من اليوم (الملك الحسن رضا المهدي السنوسي الأول) على أن يقوم بعبئها الثقيل أمام الله وأمام أهل هذه البلاد الكريمة على نهج الشريعة الإسلامية والدستور الليبي بالعدل والإنصاف واعتمدوه مثلي مادام على طاعة الله ورسوله والاستقامة.
بعد اعتماده من مجلس الأمة يحلف اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة قبل أن يباشر سلطاته الدستورية. وأني إن شاء الله عقدت العزم الأكبر على اجتناب السياسة بتاتاً والله على ما أقول وكيل.
والذي اختتم به قولي بأن أوصي الجميع من أبناء وطني بتقوى الله في السر والعلن، وأنكم جميعاً في أرغد عيش وأنعم النعم من الله تبارك وتعالى.
فأحذروا من أن يصدق عليكم القول قوله تعالى (( ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون)) فالله الله مما يغضب الله، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ولا تفرقوا . قال صلى الله عليه وسلم لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد إدريس المهدي السنوسي
اليونان في 21 جمادي الأول 1389 هـ
الموافق: 4 أغسطس 1969م.
وما حدث بعد ذلك من عدم تنفيذ رغبة الملك في عرض الاستقالة على مجلس النواب والشيوخ وقبولها والمضي في إجراءات التنازل والتنصيب، وما تلا ذلك من معرفة الغرب والولايات الأمريكية المتحدة بالأمر ومن ثم الإيعاز للقذافي الذي كان يجري إعداده لهذه المهة منذ سنوات من قبل الموساد ومساعدة المستشار كرايسكي مستشار دولة النمسا، ومعرفة الولايات المتحدة ومن ثم الإيعاز له بالقيام بالانقلاب العسكري وحددوا له الساعة الثانية والنصف من صباح الاثنين           1 سبتمبر 1969م الموافق 19 جمادي الآخرة 1389 هـ أقول ما حدث بعد ذلك لا يعنينا في هذا السياق، بل الذي يعنينا هو أن أحد رؤساء الوزارة السابقين مع رئيس الديوان والخاصة الملكية عرضا على الملك السابق بأن يقوما بالاتصال بالمملكة المتحدة التي كانت تربطها معاهدة دفاع مشترك مع ليبيا آنذاك تقضي بنودها بحماية  الملك والمملكة وهنا رفض الملك إدريس رفضاً باتاً قاطعاً محذراً إياهما بمحاولة القيام بذلك قائلاً ارفض بشدة أن أكون سبباً في إراقة دماء الرعية في سبيل التمسك بكرسي العرش فيحاسبني الله على ذلك. وخلال السبعينيات وبعد نفيه إلى مصر وإجباره على الإقامة هناك محاصراً من قبل نظام عبدالناصر، اتصل به بعض الأوفياء من الليبيين وعرضوا عليه توفير كافة وسائل العودة إلى الوطن واسترداد عرشه المنهوب حتى باستعمال القوة العسكرية من قبل جهات لها من الوزن والمكانة والقوة ما يمكنها من تحقيق رؤية أولئك الأوفياء الليبيين الذين اتصلوا به، كرر مقولته السابقة عقب إنقلاب 1969 والتي قال فيها (( الحمد لله الذي لم يكتب لي أن أكون سبباً في إهدار دماء الليبيين في سبيل الحفاظ على كرسي العرش والسلطة، وبارك الله فيكم " وتلك الأيام نداولها بين الناس" وأدعو الله أن يكف عنكم الأذى ويكف عنكم شر هؤلاء الغزاة ويكيد للكائدين)).
كان هذا المثال الأول للعقلاء الذين يقفون على إحدى الضفتين لنهر الدم عبر التاريخ.
أما المثال الثاني فكان في العام 1968 حين رشح الجنرال شارل ديغول نفسه لانتخابات رئاسة الجمهورية الخامسة في فرنسا وكان قد صرح بأنه إذا كانت نتيجة الانتخابات أقل من 90% فإنه سوف يسحب ترشيحه ويتنازل عن الرئاسة لمنافسه جورج بومبيدو، وقد كان فقد جاءت نسبة نجاحه في الانتخابات 69% فلم يقبل بذلك وتنازل وغادر قصر الشانزليزيه مع زوجته وسكنا في مقر للسكنى غاية في التواضع في إحدى الضواحي، ولكن كانت تملؤه السكينة وراحة الضمير والبال والبعد عن ضوضاء السياسة مع إجترار ذكريات الكفاح ومقاومة النازي وتحرير باريس من حكم النازي وحكومة (فيشي) العميلة طيلة خمس سنوات ومن ثم إقامة الجمهورية الفرنسية، وتحدي الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وهي بريطانيا ورفض قبولها عضواً في السوق الأوروبية، والانسحاب من الجزائر ومنحها الاستقلال كل تلك النجاحات والإنجازات كانت بمثابة موسيقى لطيفة خفيفة تعزف في غرفة جلوسه مع زوجته وهما جالسان أمام  المدفأة في ذلك السكن المؤنس المتواضع ولكنه بالنسبة لكليهما كان بمثابة جنه في عنان السماء.
وفي تلك الأيام كان لشباب فرنسا كما في أي مكان يبحث عن التغيير بما أنه يمارس الديمقراطية ويتمتع بالحرية – كان الشباب يقرءون كتاب (ثورة الشباب)، من تأليف هربرت ماركوز، وهو اليهودي، الذي يفلسف مبدأ الفوضى ويدعو لإحيائه، وكان هذا المبدا قد نشأ خلال القرن التاسع عشر وهو حركة تدعو للاعتقاد بأن المجتمع يجب أن تكون فيه السلطة لجماعات منظمة ومتطوعة وليس للدولة التقليدية، وكان الذي يتزعم هذه الدعوة شاب جامعي في العشرينات من عمره أشقر الشعر ويلقب بـ داني الأحمر Danie Le Rouge ، وهو الذي استقطب شباب الجامعات في فرنسا ودعاهم ألا يدلوا بأصواتهم لديغول وقد كان لنشاط هذه الدعوة التي قادها ذلك الشاب أثراً سلبياً على نتيجة الانتخابات التي خاضها شارل ديغول، إذ لم يحصل على ما أراد من أصوات لفوزه.
علماً بأن وليام ماكنلي، رئيس الولايات المتحدة سنة 1886 كان قد قتله أحد مقتنقي هذا المبدأ الفوضوى ANARCHISM، ومنذ ذلك التاريخ منع من دخول الولايات المتحدة أي شخص يعتنق هذا المبدا.
وهكذا اختار شارل ديغول زعيم فرنسا وبطلها ومحررها أن يذهب طوعاً ويترك الكرسي لغيره بسلام ، ولسان حاله يردد قول الحكيم:
الأيــــام دول والدهــر تصـــاريف
وما ألذّ الحياة لو أمن الإنسان كيد أخيه الإنسان
أما المثال الثالث للعقلاء والحكماء فيأتي من أفريقيا وتحديداً من السنغال خلال السبعينيات.
كان رئيس دولة السنغال مسيوليوبولد سنغور يقرض الشعر ويقرأ للأدباء أمثال فيكتور هوغو. ومرت سنوات على حكمه ... وفجأة قدم استقالته فتعجب القوم من ذلك ورفضوا مبدأ الاستقالة قبل معرفة السبب فقال لهم ببساطة: السبب واضح أنني شاعر وأديب ولا يمكن أن يقرن الشعر بالسياسة، لأن الشعر
مشاعر صدق أما السياسة فهي تعبيرات كاذبة، والدبلوماسية نفاق، وترك القصر وذهب إلى ببت متواضع كان يسكنه منذ زمن وبه عالم آخر :
كتب وروايات بها أدب وخيال وشعر صادق في الحب والمشاعر بعيداً عن السياسة والقتل والحروب  والأطماع.
حقاً إن هناك من يحترم ذاته ويترك وراءه عبراً وتاريخاً شفافاً ناصعاً ونظيفاً مثل ملكنا السابق إدريس السنوسي، رحمه الله ومثل الجنرال شارل ديغول وليبوبولد سنغور وقبلهم وعلى رأسهم جميعاً الحسن بن علي بن أبي طالب ابن فاطمة الزهراء الذي آثر أن يتنازل عن الخلافة حقناً لدماء المسلمين إلا أن معاوية ابن هند بنت عتبة آكلة كبد الشهيد حمزة عم الرسول (ص) لم يكن عند وعده وتآمر لقتله عندما وعد زوجته "أي زوجة الحسن" إن أطعمته السم ومات فإنه سوف يزوجها بولده يزيد، وكانت مشيئة الله أن تضل هذه الزوجة وتضع السم الزعاف في طعام الشهيد ويلفظ كبده ويلقى ربه – وعندما اتصلت بمعاوية ليفي بوعده  يزوجها ليزيد قال لها: أوحقاً تطمح في الزواج من ابني يزيد زوجة وضعت السم في طعام وقدمته لزوجها ليموت؟. 
وأنا لم أجد في التاريخ مثالاً رابعاً لمثل هذه الشريحة المثالية من الواقفين على تلك الضفة من النهر الدامي، الذين تركوا الحكم بسلام عندما طلب منهم الشعب ذلك وأحياناً قبل أن يطالبهم بذلك – إلا أول الشهداء الحسن بن علي بن فاطمة بنت خاتم الرسل والأنبياء عليهم جميعاً صلوات وسلام من عند الله .
وفي الختام أقول لأبناء وطني في مصراته والجبل الغربي الاشم والزاوية زوارة، أحفاد رمضان شتيوي السويحلي، وفرحات الزاوي وسليمان الباروني وخليفة بن عسكر وغومة المحمودي ليس حصراً ولكن مثلاً، أن أصبروا وصابروا وتمثلوا قول الحكيم:
إن الأزمة تلد الهمّة ولا يتسع الأمر إلا إذا ضاق، ولا يظهر الفجر إلا بعد الظلام... سنّة الله في خلقه والنصر لكم بإذن الله، فالملائكة تخوض الحرب معكم وأكاد أراها. صدقوني.

        إبراهيم السنوسي امنينه
     التاريخ: 17/5/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق