إحياء علوم السياسة
الحلقـــــة (1) بقلم : إبراهيم السنوسي
إمنينه
29/2/2011 م
أترحم على روح الفقيه العلامة الإمام الشيخ الجليل الفيلسوف والمصلح الديني
والاجتماعي الصوفي ، حجة الإسلام ، زين الدين أبو حامد الغزالي ، وأستميحه عذراُ
لاستعارة كلمتين من عنوان كتابه ، وهو "إحياء علوم الدين" ، ليكون
عنواناً لهذه المقالة (احياء علوم السياسة) وهو من أجلّ وأشهر كتب المواعظ ،
وغايته إنماء وإحياء الناحية الروحية في الفرائض الشرعية وإيصال النفس البشرية إلى
ذرى محبة الله الخالق ، وهو الذي كتبه أثناء إعتزاله الناس في الشام عندما افتقد
فيمن حوله من الخلق الناحية الروحية ، وحال التدبّر والتفكّر والتأمل والتعقل في
كنه العلاقة بين الخالق والمخلوق ، بقصد الوصول إلى تلك (الحال) بسلاسة واقتناع
ومن ثم ارتياح.
وكان هذا الإمام قد حدّد في هذا الكتاب مفهوم الخلق وميّز عناصره في معرفة
وإرادة وعمل (وهيئة) راسخه ، واشار بضرورة ترابطها والإنسجام بينها والكشف عن
الأصول التي تنبثق عنها الصفات الأخلاقية – مدافعاً عن إمكانية بل وضرورة تهذيب
الأخلاق ، وله في ذلك المجال ، وهو علم الكلام أكثر من ستة مصنفّات .
وكان قد قام بشرحه مشكورينْ ، ولهما كامل الثواب كل من إبن الجوزى وإبن
يونس .
كان لابد من هذه المقدمة لتقديم هذا الشيخ وتقريظ أعماله والشكر له دائماً
موصول لإستعارتنا جزءاً من عنوان كتابه (أحياء علوم الدين) ، وذلك لشرح مفهوم
السياسة في هذا العصر ، وكذلك لتبيان حال ساستنا من الجهل والتوه والضياع ولو عن
غير قصد كجهل تلك الدبة التي قتلت صاحبها بينما كان " قائلاً " في ظل
شجرة ذات يوم قائظ ، وكانت قد استقرت على خدّه ذبابة أعيته وأقلقت منامه ، فقامت
تلك الدبة وألقت عليها حجراً صلداً حيث كانت مستقرة فوق خدّ صاحبها فطارت الذبابة
وُقتل صاحبها ... وهكذا يفعل بنا بعض ساستنا فهم يقتلوننا بتصرفاتهم من فرط محبتهم
لنا ، كل يوم ألف مرة – ولكن عن غير قصد ،
فمن الحب ما قتل !!
ونبدأ بالحديث عن أبسط مبادئ علوم السياسة وألف بائها فنقول :-
أولاً :- يجب أن نلاحظ وألاّ يفوتنا تداخل
كل علوم الإجتماع والسياسة والإعلام والإقتصاد
مع بعضها البعض وبشكل متلازم لا إنفصام له ، ولا يجب أن نتعامل مع أي منها
بشكل منفرد .
فمثلاً فإن وسائل الإعلام تتجنب دائماً على نحو منظم التطرق لبعض المواضيع
فهي تمارس ما يمكن تسميته نوعاً من (الحياء السياسي) ، فهي ، أي وسائل الإعلام
نادراً ما تتلفظ بكلمات مثل كلمة " المال " و " الطمع "
، وبذلك تتجاهل حقيقة واقعة وهي أن (المال) و (الطمع) يلعبان دوراً مهماً في
السلوك السياسي ، وهكذا يتآخى موقفها مع موقف علم السياسة أساسياً لذا فإنه يتوجب
أن تكون لدينا الإمكانية لمقارنة الحقيقة السياسية مع الصورة التي تعطيها عنها
وسائل الإعلام ، ويجب أن يُحفظ هذا الوضع حاضراً في الذهن .
ثانياً :- إن أدبيات علم السياسة تنمو
بوتيرة سريعة جداً ، وذلك بسبب إتساع موضوعه فإن ميدانه شاسع ومتمدد ومتجدّد .
إن الوقائع
السياسية ليست محايدة . فهي لا تتلائم تماماً مع عرض رصين وموضوعي وحقيقي ، لأن
الطريقة التي تُعرض بها هي نفسها منتجه للسياسة ، فمثلاً فإن طريقة عرض سياسة حزب
أو رئيس جمهورية هي قابلة أن تغيّر بإتجاه دور فعل المواطنين بالنسبة لهذه السياسة
، وبالتالي تغير نتائجها وحتى طبيعتها ، وهنا يبرز سؤال حول موضوعية أجهزة الإعلام
والتي يقال أنها مستحيلة .
إن بلوغ
الحقيقة قد يكون متعذراً ، لكن بلوغ الكذب يمكن أن يتم بسهولة .
؛؛؛؛؛
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق