الأربعاء، 21 مارس 2012

ذاكــرة الأيــام (حلقة 13 ج 1)


ذاكرة الأيام 
الحلقة 13 
الجزاء الاول
إسرائيل تقوم بتجنيد معمّر القذافي
 خلال الستينات لخدمة مصالحها
                                                   بقلم : إبراهيم السنوسي امنينه

الحاضر نسج الماضي
والمستقبل في رحم الحاضر
والتاريخ لا يهمل
لكنه يمهل
قراءة في كتاب :
صادر عام 1990، وأحداثه عام 1975
الحلقة الأولى

نقاط رئيسة في المقال :
1-    إسرائيل تقوم بتجنيد الطاغية معمر خلال الستينيات لخدمة مصالحها عن طريق مخابراتها "الموساد" .
2-  برونوكرايسكي- مستشار النمسا السابق- يخضع لتهديد المخابرات الإسرائيلية ويقوم بالتعّرف على الطاغية وتقديم النصح والإرشاد والرعاية له، ويحددّ له مسار حياته المستقبلية منذ العام 1966، إلى أن يطبق قبضته الحديدية على السلطة في ليبيا سبتمبر 1969.
3-  الولايات الأمريكية المتحدة تساعد "الموساد" في عملية تجنيد القذافي وإنجاح الانقلاب ودعمه للاستيلاء الكامل على السلطة في ليبيا- سواء كانت تدري أو لا تدري بأن هناك محاولات جادة من قبل مخابرات إسرائيل "الموساد" لتحقيق ذلك الهدف .
4-  إسرائيل تستغل ظروف المستشار برونوكرايسكي وماضيه أثناء الحرب العالمية الثانية وعلاقته بالنازي رغم كونه يهودي الديانة والمبدأ .

جاك تايلور JACK TAYLOR هو الاسم المستعار لمؤلف الكتاب الذي بين أيدينا "أوراق تاكسي"  TAXI PAPERS، وكان قد حررّ مقدمته في لندن خلال شهر مايو 1990، وكان يعمل كضابط اتصال LIASON OFFICER  في وكالة الاستخبارات المركزية CIA، ثم تقاعد ويعيش الآن في أوروبا. والكتاب يحتوي على قسمين، والقسم الذي يعنينا هو القسم الأول وهو الذي سوف نعرضه الآن:
 ويقول المؤلف بأن مادته قد زوده بها ضابط إسرائيلي يحمل جواز سفر أمريكي، وهو متقاعد وكان يعمل مع هيئة المخابرات والمهمات الخاصة الإسرائيلية                ISRAELI  INTELEGENCE  & SPECIAL
  ASSINGMENTS OFFICE
أطلق عليه المؤلف اسماً مستعاراً هو NATE GOLDMAN  
وهو يقيم الآن في SAN DIEGO بولاية CALIFORNIA
وكنت أنا وهذا الضابط اليهودي نعمل سوياً على صعيد واحد من التعاون طيلة خمسة وعشرون عاماً. التقينا في سان ديجو بعد مكالمة هاتفية للاتفاق على اللقاء وذلك بعد غياب طال أربعة عشر سنة، حيث أن الكلام في الموضوع الذي طلب مني التحدث حوله لا يصح بالهاتف .
واجتمعنا وبدأنا بالحديث، ومن بين ما قاله لي :-
" إن الحكومة الإسرائيلية كما يقول المثل " توظف كل ما لديها من خيول الشغل لكنها لا تكافئهم بما يستحقونه من علف" فعرفت أن صديقي القديم كان يعوزه المال، وبالتالي فلا بد أن لديه شيئاً ما يريد أن يبيعه في المقابل.
  لقد خالجني منذ البداية شك في أن يكون اتصاله بي هو بدافع الصداقة أو لاستعادة ذكريات الأيام القديمة، ومن ثم فقد أحضرت معي جهازاً للتسجيل وضعته على الطاولة بيننا وضغطت زرّ التسجيل REC ليسجّل الحديث التالي بالنصّ :
قلت : "حسناً NATE يا نيت فلنفرش أوراقنا على الطاولة! بصراحة أنني لا أملك المبلغ الذي قد تطلبه، ولكن إذا كان لديك من معلومات هو على درجة عالية من الأهمية فسوف أجد طريقة لتوفير المبلغ الذي تفكرّ فيه".
 قال : "سوف لن تشير إلى اسمي بالطبع".
قلت بالطبع لا.. أخبرني بما لديك – وماذا تريد ؟
بدأ بتذكيري بقضية الطالب الانجليزي الذي اتصل بي هاتفياً يعرض وثائق للبيع، وكذلك سائق التاكسي اليوناني !! وقد دهشت فعلاً لتطرقه لتلك القصة القديمة فقد مضى عليها ما يقرب من أربعة عشر عاماً.
قال : ابتداءً إن قصة هذا الانجليزي هي قصة صحيحة ولا شائبة فيها فنحن فقط الوحيدون الذين قمنا بتتبّع تفاصيلها حيث كنا على يقين بأنها حقيقية لا اختلاف فيها. وإذا كانت مهنة الدعارة تعدّ من أقدم المهن فإن مهنة الجاسوسية لا تبعد زمناً كثيراً عنها.
قلت : لا أظن أن أحداً سُيقبل على شراء هذه الوثائق، وحسب ما أتذكر أنها صنفت عام 1976 بأنها مزوّره، والآن أنت تؤكد بأنها حقيقية وصحيحة، فما هي هذه الأوراق على أية حال ؟
قال : إنها إرشادات وتوجيهات بسياساتنا وبرامجنا يجرى تعديلها كل سنة، ,إذا كنت مهتماً بهذا الأمر فإنني سأخبرك بكامل القصة.
  ومن أجلك أنت فقط فإن الثمن هو أن تدفع لي عشرة آلاف دولار في السنة الواحدة على مدى حياتي أي ما يساوي الفائدة على مائة ألف دولار.. وأعتقد أن هذا لن يكلف العم سام شيئاً ؟!
 قلت : "لا أعتقد أنهم أي الـ CIA سيرغبون في شراء هذه الأوراق ولكن قد تعجبهم مجرد فكرة دفع قيمة الفائدة، ولكن إذا لم تجد هذه المعلومات قبولاً لديهم فإن حياتك سوف تكون في خطر!
ضحك قائلاً: إن هذه أمريكا وليست إسرائيل، وأنا على معرفة برئيسك، إنه سيوافق عليها لا محالة إذا نصحته أنت بذلك، فماذا قلت؟
قلت : لا أستطيع القيام بذلك.. إنها غدت عديمة الفائدة ولا أحد يعيرها أي اهتمام .
قال : هل لا يعيرون اهتماماً لمن قتل رجلكم ريتشاد ويلش RICHARD  WELSH ؟
قلت : اوه ديك ولش (DICK WELSH) ؟ هل هناك علاقة ؟
قال نعم : هناك علاقة*. هامش من قائمة ثبت المراجع
ثم خيم السكون علينا برهة وجيزة وسألت NATE :
لماذا لم يذكر ذلك الانجليزي أي شيء عن WELSH ؟
رذّ NATE قائلاً إن الإنجليزي لم يكن يعرف شيئاً، وكل ما كان يعرفه هو أن سائق التاكس في أثينا أعطاه مجموعة من الوثائق لترجمتها وهذا ما قاله لكل من اتصل بهم، لم يكن يعرف مصدرها ولكن كان تخمينه أنها جاءت من إسرائيل ولم يكن مثل هذا التخمين أمراً صعباً.. الشيء المؤكد أنه لم يكن يعرف أن ريتشاد ويلش كان يحاول الحصول على نفس الوثائق.
  واستطرد NATE  قائلاً : يجب أن تفهم أنني لا أعرض عليك الملفات المفقودة والتي لها علاقة بالموضوع لأنها قد تم إرجاعها إلى تل أبيب منذ 13 عاماً، أو على الأقل الطبعات الأصلية منها، أما النسخ المترجمة إلى الانجليزية واليونانية ففي اعتقادي أنه تم تدميرها.
  إن ما أعرضه عليك الآن هو عبارة عن موجز مركز لتقرير عن كيفية سرقة هذه الوثائق تم العثور عليها واستردادها وكيف كان WELSH طرفاً في هذا الموضوع .
قلت : كفى هذا الآن يا "نيت" NATE ، لا تتوقع أننا سندفع مبالغ كبيرة من أجل ذلك !
وهنالك ضحك NATE  قائلاً :
 من تحسبني أكون ؟ هل أنا طلبت منك مليون دولار؟ بالطبع لا !
إن كل ما طلبته هو الفائدة على مائة ألف دولار فقط وفي مقابل هذه الفائدة البسيطة سوف أعرض خدماتي كمستشار وخبير، وكان يجب أن أضيف 2% أو 3% مقابل ذلك. ولكني بالطبع سوف لن أفعل من أجلك أنت فقط، ومن أجل العلاقات القديمة:
FOR THE GOOD OLD DAYS !
دعنا نستقر على 10% LET'S SETTLE ON 10%       
قلت : "كل ما أستطيع أن أفعله هو أنني سأحيل الأمر إلى الجهات المعنية" ثم أنني آمل أن يكون هذا الموضوع متوفراً لديك في شكل مكتوب؟!" واتفقنا على أن أتصل به هاتفياً حالما تتوفر لدي ردود من الجهات المعنية .
 في صباح اليوم التالي أرسلت تقريري إلى مدير الوكالة وختمته بـــ "سرّى للغاية STRICTLY CONFIDENTIAL " وقد قدمت توصياتي ومقترحي بأن تقوم الوكالة بقبول هذا العرض إذ أن هذه الصفقة سوف لن تزيل فقط بعض حالات سوء التفاهم العالقة بين جهازنا وجهاز الموساد، بل أننا نتوقع أنها سوف تزوّدنا ببعض المزايا التي نحن أشد ما نكون في حاجة إليها في مفاوضاتنا المستقبلية .
  وفضلاً عن ذلك فقد تتاح لنا الفرصة لنتعلم أساليب جديدة تنقذ حياة رجالنا مستقبلاً عندما نوافق على التعاقد مع هذا العميل بنفس المبلغ والشروط التي ذكرها، على أن يخصم هذا المبلغ من المعونة السنوية التي نقدمها للموساد!! عدالة خارقة SUPER JUSTICE !!
 لم تكن هناك أي عراقيل.. بعد أسبوع واحد فقط تمت الموافقة على الصفقة، ولقد كان هذا هو اعتقادي منذ الوهلة الأولى التي ذكر فيها الإسرائيلي NATE  اسم ريتشارد ويلش الذي اغتاله الموساد عن طريق الخطأ. بعد ذلك اتفقت معه على أن نلتقي بالفندق الذي ينزل فيه. أخذت معي صكاً مصدقاً قيمته عشرة آلاف دولار، ونسخة لعقد العمل مع الوكالة كمستشار. وبعد نصف ساعة رجعت ومعي هذه الوثائق التي أرسلتها إلى مكتب مدير المخابرات المركزية الأمريكية واحتفظت بصورة منها هي التي تعرضها الصفحات التالية :
 كان هذا السرد المطنب ضروريا، ونأمل ألا يكون مملاّ وذلك لإثبات صّحة الوثائق وجّدية الموضوع وما استغرقه من سنوات للحصول على تلك الأوراق التي فقد في سبيلها حياته أحد أشهر مدراء وكالة الــ CIA الذي اغتيل في أثينا يوم 23/12/1975 .

 
   (إلى اللقاء في الحلقة القادمة ) .....
 



* هو أحد العناصر البارزة في الـــ CIA وآخر منصب شغله كان مدير مكتب الوكالة في العاصمة اليونانية أثينا وكان يعمل تحت غطاء سكرتير أول بالسفارة الأمريكية، وجد مقتولاً أمام منزله في أثينا يوم 23 ديسمبر 1975، وأعتقد أنه الشخص الذي كان ينوي شراء أوراق الموساد الضائعة من "سائق التاكس" في اليونان عندما اغتاله عملاء الموساد عن طريق الخطأ .   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق