الأربعاء، 21 مارس 2012

ذاكــرة الأيــام (حلقة 11 ج 9)


ذاكرة الأيام
الحلقة 11
الجزاء 9

                                          بقلم : إبراهيم السنوسي امنينه
  قلنا في الحلقة السابقة بأن تلك المدرعات المائة والثمانين كانت محجوزة لمثل ذلك اليوم فقط ولذلك الغرض فقط، وكانت أيدي الجيش والشرطة والقوة المتحركة ممنوعة من الوصول إليها قبل ذلك التاريخ بحجة أنه لا بد من التدريب عليها وإجراء الصيانة اللازمة*. وأثناء إعداد الشاي للضباط الجالسين في البهو بدأ النقيب اجلود في الثرثرة وحكايات "أبولمعة المصري" سارداً البطولات التي قام بها صباح ذلك اليوم وكيف أنه اقتحم بيت أحمد عون سوف وزير الداخلية الأسبق واستولى على (حلاطه) أي جراب السلاح والذخيرة- والمصنوع من الجلد (ويلبسه المحارب عادة حول صدره وبطنه)- ذلك الجراب الخاص بوالده المرحوم المجاهد عون محمد سوف المحمودى- وكيف استولى أيضاً على سيف المجاهد الذي كان قد أهداه له أحد السلاطين العثمانيين اعترافاً بفضله على الإمبراطورية العثمانية أسوة بآخرين أمثال السيد أحمد الشريف السنوسي، وكيف أنه أهان وزيراً سابقاً، وجعله يزحف على ركبتيه، وكيف شتم وزيراً للزراعة وهو حامد بوسريويل رحمه الله، لأنه لم يهتم بطلبات والده أستاذ الكرسي المحاضر الدكتور "حمد اجلود المقرحي"** .
   وعند الساعة الحادية عشر صباحاً قام النقيب عبد المنعم الهوني، والنقيب عبد المجيد هامان بتوصيل يحي عمر سعيد، الذي اصطحب معه أكثر من عشرين حقيبة تضم بين طياتها ثروة من المجوهرات، من بيته بميدان القادسية- ميدان الوسام الذهبي سابقاً- إلى مطار الملاحة WHEELUS بأمر من معمر القذافي شخصياً  وبالتنسيق  مع العقيد DANIEL JAMES الماسوني وضابط المخابرات الأمريكي الجنرال  JOSEF CAPOCHI ،  أما مصطفى بن حليم فقد أبلغته المخابرات الأمريكية- كما أبلغت رؤساء شركات النفط الأمريكية في ليبيا- بضرورة حزم حقائبه قبل الأول من سبتمبر فغادر ليبيا يوم الاثنين  25 أغسطس 1969.
 شكلّ القذافي لجنة سريّة برئاسة الرائد عبد السلام اجلود "محققّ الجلاء" كما وصف على ملصقات صغيرة ظهرت عقب انتهاء مسرحية مفاوضات الجلاء يوم 15/12/69- وعضوية النقيب فتحي بن طاهر والمستشار القانوني محمود البكوش للتفاوض مع الأمريكان والانجليز بخصوص تعويض الدولتين عن قواعدهما في ليبيا. وبدون أدنى تردد وافق الليبيون على دفع مبلغ ثلاثة مليارات دولار أمريكي للأمريكان، و800 مليون جنيه إسترليني لبريطانيا، وكانت هذه الصفقة بمثابة طوق نجاة لبريطانيا التي كانت تعاني آنذاك من مشاكل اقتصادية خانقة، وبحسبه بسيطة يمكن القول أن الدولتين قد استرجعتا ما كانت قد دفعتاه على مدى تسعة عشر عاماً مقابل تأجير هاتين القاعدتين العدم والملاحة، أضعافاً مضاعفة.
  وكان قد نصحه المستشارون من الجانبين بأنه لو أمهلهم عاماَ آخر حيث ينتهي العمل بهاتين الاتفاقيتين واللتين تنتهيان بحلول يناير 1971 (مدة عقد الإيجار عشرون عاماً بداية من يناير 1951 إلى يناير 1971)، فإنهم سوف يغادرون بدون دفع أي مبالغ في صورة تعويضات حسب بنود الاتفاق، إلا أن الأخ العقيد ركب رأسه وأصرّ على المغادرة بأسرع وقت عند ذلك طالب الطرف الآخر بتلك المبالغ لتعويضهم عن ما سموّه آنذاك :FACILITIES & FIXTURES  تسهيلات وتراكيب AND INCINVENIENCE ومثبتات وبدل إزعاج وإقلاق راحة !! التي قالوا أنهم سوف يتركونها بالقاعدة، غير أنهم خدعوا الأخ القائد وفككّوا كل شيء، وأخذوه معهم بعد أن قبضوا المبالغ التي حددّوها، وفازا العقيد بأكثر من أغنية تتغنى به كبطل للجلاء  SONGS CHANTING
FORCED  EVACUATION   يا سلام !!
         (وإلى اللقاء في الحلقة القادمة) .....


(الآن تأكد للقارئ أن قائد الانقلاب المخطط والمنـّفذ هو : الضابط المسمىّ دانيال جيمس DANIEL JAMES _ (1920-1978) الأمريكي الذي تولى قيادة الملاحة من أغسطس 1969 أي قبيل الانقلاب بأيام وحتى مارس 1970 أي بعيد تحقيق غاية الانقلاب بنحو ستة أشهر- هذا القائد الذي يلقـّب بالمستر "جو" ،وهو ماسوني العقيدة والمذهب والأقرب إلى الصهيوني- وليس بالصدفة أبداً أن يُؤتى به في هذا التاريخ (أغسطس 1969) لقيادة الانقلاب وتوجيه عناصره إلى حيث السلطة للاستيلاء عليها بقبضة من حديد لمصلحة الولايات  الأمريكية المتحدة- بينما يقبع القائد الاسمي الواجهة أو الدمية PUPPET معمر القذافي في غرفته بمعسكر "كامبو لاميركان" الذي أسماه :قاريونوس فيما بعد مستلقياً على ظهره يضع رجلاً على رجل يستمع إلى المارشات العسكرية التي تذيعها محطات الإذاعة الليبية، التي احتلتها عناصر الانقلاب قبل أن تأتيه هذه العناصر إلى غرفته بالمعسكر وتبشره باحتلال الإذاعة- بحوالي أربع ساعات- وتحمله إلى هناك ليلقي بيانه التافه على مسمع من الغافلين المغفلين ليصدقوه ويهتفوا له على مدى أربعة عقود ويزيد- نهاية الهامش)
** هامش من صاحب سلسلة ذاكرة الأيام :
أنا هنا في هذا الهامش لن أناقش ساديّة ولا إجرام ولا جبن ولا خسّة هذا الضابط الراسب حتى في أبسط دروس المشاه: يسّ- يمّ، صاحب فضيحة وقضية الآداب الشهيرة في مصر في أوائل السبعينيات مع ربة الصون والعفاف الحصان الرزان ميمي شكيب، ولن أناقش زيارته للرئيس جورج بومبيدو في قصر الاليزيه في أوائل السبعينيات في العاصمة الفرنسية وهو "سكران طينه" بدون سابق موعد بعد منتصف الليل، ولن أذكر تداعيات موقفه هذا على العلاقات بين فرنسا والانقلابيين الجدد.. كل هذا لن أناقش تفاصيله.. ولكن كان بودي أن يكفّر عن كل ما فعل بالأمس بأن يفعل الأتي اليوم بعدما انشق متأخراً سبعة أشهر:-
1-       أن يدرك ما اقترفه في حق أحمد عون سوف المحمودي ويرد لآل بيته ما سرقه من تراث ويعتذر لهم رسمياً وأمام الملأ
2-     أن يقدم كشف حساب بما نهبه من أموال ليبية (راجع سلسلة ذاكرة الأيام-11 الحلقة السادسة، لتعرف أن محمد إبراهيم إنقا، الذي كان يتردد عليه اجلود في مزرعته في أواسط الستينات، صار فيما بعد مديراً لتهريب أمواله للخارج) وأنه حسب ما أوردته الصحف الأجنبية أوائل الثمانينات أنه يحتل مركز رقم 10(عشرة) على قائمة المليارديرات في العالم.
وعندما أعلن أو تظاهر بأنه انشق، وهو ليس جزءاً من النظام المنهار أصلاً لكي ينشقّ، وعندما هرّبوه الثوار خارج طرابلس وقال كلمتين عبر قناة معينة أعلن أنه سيسافر إلى إيطاليا!!! حينما أعلن ذلك كان يعلم أن ليبيا تمرّ بأزمة مالية خانقة وفي حاجة ماسة إلى العملة، وكان الأولى به والأجدر أن يقدم للمجلس مع اعترافه بما نهبه واعتذاراه عما فعل شيكاً مسحوباً على حسابه في أوروبا وفي المصرف المودع به ما نهبه بالمبلغ الذي يرتاح به وله ضميره لينقذ ليبيا من وعثائها! لست أدري أي نوع من المخلوقات هذا المعتوه الذي لقبه المرحوم السادات "بحكم مباراة تنس الطاولة"
" انتهى الهامش"    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق