الأربعاء، 21 مارس 2012

ذاكــرة الأيــام (حلقة 11 ج 8)


ذاكرة الأيام
الحلقة 11 
الجزاء 8

                                     بقلم : إبراهيم السنوسي امنينه

  العوامل الأساسية التي ساعدت على الانهيار الكامل للنظام الملكي :
1)    وجود الملك خارج ليبيا في اليونان ثم بورصا التركية يونيو 1969
2)  إقالة اللواء نوري الصديق من رئاسة الأركان في شهر أكتوبر 1968، وتعيينه عضواً بمجلس الشيوخ. لقد كادت تتجمع لديه وهو الذي أحاط نفسه بضباط أكفاء مخلصين ووطنيين- كل خيوط المؤامرة الأمريكية – ولكن كما سنرى كان للعقيد الشلحى رأي آخر..           
  ففي مارس 1969، كلف المقدم نصر الدين هامان الرائد أحمد بوغوله بالذهاب لمنطقة سرت وذلك لمراقبة تحركات واجتماعات الانقلابيين والقبض عليهم. ذهب بوغوله إلى سرت وتأكد من اجتماع الانقلابيين وشاهد القذافي بنفسه وهو يصل إلى مكان الاجتماع بسيارة فولكس فاجن إلا أنه- أي أحمد بوغوله- تجاهل الأوامر الصادرة له من المقدم هامان وبذل جهداً كبيراً فيما بعد لطمس وإخفاء الأدلّة التي تؤكد حدوث الاجتماع، وبعد فترة وجيزة اكتشف المقدم هامان أن الرائد أحمد بوغوله وزميله في الاستخبارات (مانه) كانا على اتصال بالزنديق مصطفى المهدوي العميل الشهير.
3)    اختراق المخابرات الأمريكية لأجهزة الأمن الليبية
CIA PENETRATES LIBYAN SECRET SERIVCES
4)    تمكن الأمريكان من معرفة تاريخ انقلاب الشلحى وهو 05/09/1969 من ثلاثة مصادر :
الأول : في ربيع 1969- أثناء "زردة" للقبائل في منطقة "الصفصاف" بالجبل الأخضر حيث طلب المجاهد عبد الحميد العبار، رئيس مجلس الشيوخ وزعيم قبيلة العواقير- من المقدم موسى أحمد عمل أي شيء للحيلولة دون الاستيلاء على مقاليد السلطة في ليبيا من قبل عائلة الشلحى "كفايه عليهم- حسب تعبير الشيخ عبد الحميد"، وباح له بالسرّ الخطير وهو أن الشلحى سيستولى على السلطة خلال شهر سبتمبر 1969 من ذلك العام.
والثاني : هو الملازم محمد جمعة الشلماني الضابط المدسوس داخل مكتب الشلحى الذي كان يتصنت على مكالمات واتصالات الشلحى، فلقد أبلغ هذا الجاسوس الانقلابيين عن موعد تنفيذ الشلحى لانقلابه وذلك بعد تصّنته على مكالمة بين عبد العزيز الشلحى وأخيه عمر الموجود خارج ليبيا ذكر فيها التاريخ وهو 05/09/1969.*
 ومن المعروف أن الشلماني كان قد أدين في وقت لاحق في محاولة الحواز وموسى أحمد وآخرين، وسجن لعدة سنوات ثم أطلق سراحه.
والثالث: هو أن ضابط مخابرات انجليزي استدرجه الأمريكان في حفلة عشاء في مدينة طبرق وعرفوا منه كلمة السرّ. 
التبرير JUSTIFICATION :-
5)  قام عبد العزيز الشلحى من أجل تدعيم مركزه والموالين له بالجيش بتعيين صهره اللواء السنوسي شمس الدين السنوسي رئيساً للأركان وعّين صهره الآخر العقيد عون ارحومه اشقيفه مديراً للعمليات وكان العقيد عبد العزيز الشلحى وزميل دفعته في التخرج من الكلية العسكرية بمصر العقيد حسين على الفرجاني يرأس الاستخبارات العسكرية. كما قام الشلحى بإقصاء العديد من الضباط الأكفاء ومنهم حوالي نصف خريجي كلية العراق إلى الوظائف الإدارية البعيدة عن العسكرية الفعلية ومع ذلك فقد حاول العقيد الركن صالح السنوسي عبد السيد توحيد الصفوف وذلك بإقناع زملائه من خريجي العراق بضرورة التعاون وتنسيق المواقف مع الشلحى إلا أن قائد المجموعة العقيد الركن فوزي الدغيلي رفض رفضاً باتاً هذا الاقتراح قائلاً: "نحن لا نستجدي أحداً" وبسبب موقفه هذا فصل العقيد فوزي من التنظيم. وقد حاول بعض الضباط الآخرين من خريجي العراق رأب الصدع والالتحام بالعقيد الشلحى الذي أبدى رغبة في التعاون إلا أن الوقت كان قد فات وكانت إرادة الله هي الغالبة، وفي النهاية لم يجد النظام الملكي ولا العقيد الشلحى من يدافع عنهم في وقت العسرة والشدة وانتهى المطاف بالجميع إلى السجن. ولا بد أن نشير إلى أن العقيد عبد العزيز الشلحى كان من بادئ الأمر متردداً في القيام بحركته، فمنذ عام 1966 كان قد حّذره زملاؤه ومن بينهم  العقيد عبد الله سويسي من مغبّة عدم حسم الأمور وضرورة انقاذ البلد من المغامرين ومن الهيمنة الأمريكية، فنهره الشلحى قائلاً: الملك إدريس في مقام والدى ولا يمكن أن أخونه أو أنقلب عليه. لقد كان يظن أنه بإمكانه مواجهة وخداع الأمريكان.
BUT IT IS BLOODY TOO LATE وجاء قرارك متأخراً جداً:
6)  تأثير الإعلام المصري خاصةً إذاعة صوت العرب التي كان يديرها أحمد سعيد إذ كان يحّرض على التمرد والثورة ضد الأنظمة وخاصة الملكية منها بحكم أنها تابعة للأمريكان والانجليز!! (أقرأ: الإعلام الزائف والهدام لكاتب سلسلة ذاكرة الأيام المنشور في أبجدية الوطن).
الاتفاق AGREEMENT  :
7)  بداية تفشي الفساد السياسي والاقتصادي في الدولة. وتنفيذاً لما اتفق عليه بين القذافي والأمريكان عام 1966، تم التوقيع على ما يلي :-
أ- يتم توحيد البث الإذاعي فجر الأول من سبتمبر، وقبل إذاعة "البيان الأول"- بين طرابلس وبنغازي .
  كما تم تشغيل منظومة المخابرة العسكرية التي أمّنت الاتصالات بين جميع وحدات الجيش وكانت الشركات الأمريكية هي المخططة والمنـّفذة لهذا المشروع المهم .
الإعصار THE TYPHOON :
 ب- عند الساعة الثالثة من صباح الاثنين أول سبتمبر 1969 قرب أحد مداخل مدينة طرابلس الجنوبية، قامت سيارة وقود عسكرية أمريكية يقودها جندي أمريكي أسود بتزويد رتل المدرعات الذي كان يقوده النقيب امحمد الحاراتى. ونكاد نجزم بأن سبب مقتل هذا النقيب في حادث سيارة على طريق طرابلس الخمس اكتوبر1970 بسبب إفشائه لهذا السر الخطير، وقد قـُتل في نفس الحادث اثنان من أصدقائه هما : محمد العريفى ومسعود بوكر.
ج- عند الساعة السابعة من صباح يوم الانقلاب اتصل العقيد مختار كانون حكمدار مرور طرابلس هاتفياً بالعميد على عقيل نائب مدير الأمن العام الذي كان يقوم منذ الصباح الباكر مع ثلاثة من ضباط الشرطة ومجموعة من الجنود من أفراد الجيش المدعومين بمدرّعة والذين كانوا يحاولون اقتحام مبنى مديرية الأمن بشارع سيدى عيسى ( وبسبب هذا الموقف الوطني المبدئي سجن العميد عقيل مدة خمس سنوات) وبعد تبادل بعض الكلمات قال العميد على : " أنت يا مختار تقولـّى سلـّم المبنى وأترك سلاحك تماماً مثل ما قالوه لى الأمريكان.. فقد اتصل بي قائد قاعدة الملاحة المستر "جو" يأمرني بعدم افتعال مشاكل مع المسيطرين على البلد لأن كل شيء انتهى". والمستر "جو" هو العقيد (والماسوني) دانيال جيمس DANIEL JAMES مولود عام 1920 وتوفي عام 1978. وكان قد تولى قيادة قاعدة الملاحة WHEELUS BASE من أغسطس 1969 إلى شهر مارس 1970 حيث انتهت مهمته .. كل هذا يحدث ومعمر القذافي، كما تؤكد عدة مصادر، مستلقياً على سريره في معسكر قاريونس يستمع إلى المارشات العسكرية وقد وضع رجلاً على رجل، ولم يصل إلى مبنى الإذاعة في بنغازي إلا عند الساعة السادسة إلا عشر دقائق صباحاً- وذلك حسب رواية اثنين من "الضباط الوحدويون الأحرار" وهما الملازم أول عبد الفتاح يونس، والرائد عبد المنعم الهوني!!.
الغبىّ THE IDIOT  :
  وعند الساعة الثامنة والنصف صباحاً دخل المقدم مختار الدعوكى المسئول المالي لمعسكر باب العزيزية حيث مقر قيادة الجيش إلى (بهو) حجرة مليئة بالضباط فأدىّ التحية للعقيد مفتاح الباح وقال : مبروك يا أفندم، معتقداً أنه قائد الانقلاب، فرد عليه الباح مبتسماً: مبروك على أيه يا أهبل. اقعد، وكان بحوزة المقدم الدعوكى جوازات وتذاكر سفر لمجموعة من قادة الانقلاب كان من المفروض سفرهم عند الساعة العشرة من صباح ذلك اليوم أول سبتمبر 1969 وذلك لحضور دورات تدريبية في بريطانيا.
  وكان الفوج الأول من الضباط المحتجزين يضم كلاً من العقداء عون ارحومه اشقيفه وعزيز عمر فائق شِنيَّب ومفتاح الباح والمقـّدمون نصر الدين هامان وبالعيد مرعى وشعبان عماره.
 وقد استغرب هؤلاء الضباط دقـّة التخطيط فقد كانت الأسّرة والبطاطين والمـأكولات جاهزة بالمعسكر لاستقبال المعتقلين ولا يستطيع حفنة من الملازمين القيام بذلك ( شغل وتخطيط أمريكان يا عمّى).
  وعند الساعة العاشرة وصلت إلى معسكر باب العزيزية مدرعات من نوع (صلاح الدين) و ( فريت) و (سراسين) وعليها جنود يتصايحون فوقف النقيب عبد السلام اجلود عضو مجلس الانقلاب ومعه سلاحه يحييّهم ويصيح : "قد فتحوا لنا مخازن الأسلحة الآن يا إخوان الثورة نجحت.. وقد زودونا بالوقود"، وأمر رئيس العرفاء (بحرى) سالم سعيد، والعقيد فيما بعد، بإحضار الشاي للضباط المحتجزين، فقد قام ضباط أمريكيون بفتح مخازن السلاح والذخيرة في معسكري قـُرْجى وأسطى ميلاد وتسليم 180 مدّرعة جديدة للانقلابيين، وهذه المدرعات كانت محجوزة لهذا اليوم أول سبتمبر 1969 وليس قبله ولا بعده.
         (وإلى اللقاء في الحلقة القادمة) .....



هامش صاحب ذاكرة الأيام :
* إذا كان الشلماني المقصود هو الذي اتصل بالعقيد الشلحى ليلة الانقلاب ليبلغه بتحركات القذافي ولم يتحقق ذلك الاتصال وقيل له أن الشلحى نائم ولا يريد أن يزعجه أحد، فذلك يعني أن هذا الشلماني كان يتجسسّ لصالح الشلحى الذي يعمل في مكتبه، وليس بمزروع من قبل المخابرات الأمريكية والعكس هو الصحيح، وهذا السيناريو حسب ما رواه الرائد خليل جعفر رئيس الاستخبارات العسكرية في الجيش الملكي الليبي السابق، وحين يستطرد الرائد خليل ويروى ما حصل في المحكمة التي شكلها وعقدها القذافي بعد انقلابه عندما كان الشلحى وإلى جانبه في القفص يجلس هذا الشلماني: سأله الأخير هامساً:- لماذا لم تستقبلني يا أفندي عبد العزيز عندما اتصلت بك في منزلك؟ إنني كنت أردت فقط أن أبلغك عن المؤامرة التي تحاك وتنفـّذ ضد النظام!! فردّ عبد العزيز على الفور قائلاً: كنت سكران!! ولم أرد أن أقابل أحد!!
 هذه الرواية الأخيرة يرويها ويؤكدها الرائد خليل جعفر، إذن فإن الملازم الشلماني لا هو مزروع في مكتب الشلحى من قبل الأمريكان ولا هو خائن للشلحى والنظام الملكي، والدليل أن نظام معمر قبض عليه يوم 07/12/1970 بتهمة المشاركة في انقلاب آدم الحواز وموسى أحمد وسجنه لعدة سنوات، أطلق سراحه بعد قضائه للمدة. فمن هو الشلماني المقصود والمزروع؟ 
(انتهى الهامش – كاتب ذاكرة الأيام)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق