الأربعاء، 21 مارس 2012

ذاكــرة الأيــام (حلقة 16)


ذاكرة الأيام
الحلقة 16

حدث ذات يوم
بقلم : إبراهيم السنوسي امنينه


فجر يوم أول سبتمبر 1969 أعلنت الإذاعة الليبية من بنغازي حصول انقلاب عسكري بقيادة العقيد سعد الدين بو شويرب ولم تعلن عن أسماء أعضاء مجلس الانقلاب .
وفي ذلك الصباح بالتحديد تم ربط شبكة الاتصالات والإذاعة الليبية بين طرابلس وبنغازي ( بأوامر من المخابرات الأمريكية عن طريق قاعدة WHEELUS "صدق او لا تصدق ").
وفي ذلك اليوم خرجت الصحافة العالمية بهذا النبأ العظيم مدعوماً بصورة هذا العقيد .
وكان هذا العقيد قد استقال من الجيش الليبي في وقت مضى وافتتح له مكتباً لمزاولة مهنة محرّر عقود في شارع عمر المختار بطرابلس، وفي هذا الوقت كان يقضي إجازته مع عائلته بمدريد بأسبانيا .
كانت قد جرت اتصالات بين الانقلابيين وجمال عبد الناصر اعتباراً من فجر الأربعاء 3 سبتمبر 1969 بواسطة ضابط رفيع الرتبة في الاستخبارات المصرية هو محمد فتحي إبراهيم الديب، يرافقه صحفي يدعى محمد حسنين هيكل مع مصوّر.
كانت أول نصيحة يقدمها الرئيس عبد الناصر للانقلابيين أن يعلنوا عن أسماء أعضاء الانقلاب خشية أن "تسرق منهم الثورة". (سرقها وفات وفي ديله سبع لفات)
وفعلاً كُلفَّ "مبنى للمجهول" معارض سابق للنظام الملكي يدعى صالح مسعود بويصير يوم الاثنين 8 سبتمبر 1969 بأن يصطحب العقيد بوشويرب بالطائرة من روما إلى تونس ثم إلى الحدود الليبية البريّة حيث وجدا في انتظارهما سيارة بها بدلة عسكرية كاملة القيافة والرتبة ليرتديها بوشويرب كي يدخل البلد بالزي العسكري .
في نفس اليوم والتاريخ عمل الانقلابيين بنصيحة عبد الناصر وشكلوا المجلس الانقلابي وسموّا الأسماء وأذيع البيان عن طريق الإذاعة الليبية ونشر في الصحف الصادرة في ذلك اليوم، غير أن البيان لم يشمل اسم صاحبنا الوافد إلى ليبيا وهو العقيد سعد الدين بوشويرب.
وصل بو شويرب إلى طرابلس وبالتحديد رئاسة الأركان بمعسكر باب العزيزية ليزاول عمله (صورياً) كرئيس للأركان.
بعد أربعين يوماً من هذا التاريخ طلب منه أعضاء مجلس الانقلاب أن يستقيل بعد أن استقرت الأمور. وأدى هذا العقيد دوره المرسوم له من قبل المخابرات الأمريكية (دون أن يدري أو (يدري))، ثم عينّه الانقلابيون سفيراً بالقاهرة.
ولا شك أن الإعلان عن تعيين بوشويرب رئيساً للأركان أربك الضباط الموالين للملك والشلحي ومنعهم من اتخاذ أي إجراء ضد الانقلابيين، حيث أن بوشويرب كان محسوباً على الشلحي وزميل دفعته في الكلية الحربية المصرية .
كما خدع هذا الإعلان أيضاَ القيادة المصرية بأن العقيد الشلحي هو قائد الانقلاب .
والجدير بالذكر أن بعض الضباط القوميين قاموا في صيف 1966 بتنبيه القيادة المصرية إلى احتمال إقدام أمريكا أو بريطانيا على تغيير النظام الملكي في ليبيا لصالحهما. وعندما تطرق الحديث إلى العقيد عبد العزيز الشلحي كان رد حمزة البسيوني – وهو من أشهر مساعدي صلاح نصر، مدير المخابرات المصرية- "إنه متعاون معنا" يقصد عبد العزيز الشلحي بطبيعة الحال.
وحسب أوامر الرئيس جمال عبد الناصر، وتحذيره من أن" تُسرق الثورة"- كما تقدم – تم الإعلان عن أسماء ورتب الانقلابيين بعد مرور أسبوع واحد على الانقلاب حيث أعلن عن ترقية الملازم أول معمر القذافي إلى رتبة عقيد وتعيينه قائداً عاماً للقوات المسلحة يوم الاثنين 8 من سبتمبر 1969 وهو نفس اليوم الذي استدعُى فيه بوشويرب من الخارج ليتولى قيادة الثورة (صوريّاً طبعاً) .
تم طباعة المئات من صور الرئيس عبد الناصر بمطابع قاعدة WHEELUS عام 1967 وتوزيعها على الجماهير في الأيام الأولى من الانقلاب لإيهام الليبيين والعالم أن انقلاب سبتمبر هو امتداد لثورة 1952 إذن فالتخطيط قد بدأه الأمريكان وفي قاعدتهم ومنذ عامين !!
قامت المخابرات الأمريكية أيضاً بطبع وتوزيع كتيبات تبين مساوئ الحكم الشيوعي، وقد عُثر على أعداد منها ملقاة على الرصيف بالقرب من السفارة السوفيتية بمدينة الحدائق بطرابلس.
وربما يود القذافي أن تمُحى الحادثة التالية من ذاكرة التاريخ ولكن هيهات !!
ففي يوم السبت 18/10/1969، توجه معمر القذافي بعد أن صار عقيداً على رأس مجموعة من عربات نصف نقل نحو قاعدة الملاحة حيث كانت تتمركز وحدة للقوات الجوية الليبية، وبدون أخذ موافقة مسئولي القاعدة، اندفع رتل السيارات إلى داخل المطار، وما هي إلا لحظات حتى كان العقيد دانيال جيمس آمر مطار الملاحة واقفاً عند البوابة الرئيسية وشاهد القذافي بالقرب من حاجز البوابة سانداً يده على عقب مسدسه (كما يفعل البانديتي في أفلام الكاوبوي) LIKE : GARY COOPER
فحملق فيه وأمره أن يبعد يده عن مسدسه صائحاً :
TAKE YOUR HAND OFF THE GUN
ولدهشة جميع الحاضرين أذعن القذافي وانسحب كالجرذ ذيله يمسح الأرض.
"يا سلام فيه حد يسّيب بلاده ؟!! هأ هأ"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق