الثلاثاء، 20 مارس 2012

ما هكذا تورد الأبل يا هيكل ! (الحلقة 5)

هيكــــل : المتسلق المنتفع   
                           HYKAL : The Utiliterian

21/11/2011م                                        بقلم / إبراهيم السنوسي امنينه

كما قفز هيكل ليجد نفسه عند أبواب السلطة فيدخل دوائرها السياسية ويخترق كواليسها .. وبقي على علاقته الوثيقه بأستاذه محمد التابعي متنقلاً من صحافة الخبر إلى صحافة الرأي . بعد أن وجد الشاب الصحفي هيكل أن الفرصة قد تهيأت له إثر سقوط حزب الوفد عام 1944 ، قفز هذا "الميكافيلي" إلى صحيفة جديدة إسمها (أخبار اليوم) التي كانت مدعومه من الملك فاروق والسلطة الحاكمة . وقد بقي يعمل مع هذه الصحيفة منذ العام 1946 إلى ما بعد ثورة يوليو 1952 ، إذ إستمر بها حتى عام 1957 . وعندما دخل إليها بعد إضطرار محمد التابعي إلى بيع "آخر ساعة" لأصحاب "أخبار اليوم" كان يقوم على رأس هذه الأخيرة الأخوان مصطفى وعلي أمين ، وقد كلف هيكل بسكرتارية تحرير الصحيفة القديمة فضلاً عن القيام بمهمة مساعد رئيس تحرير صحيفة (أخبار اليوم) فقبل المهمة ولكن العلاقة بينه من طرف وبينهما من طرف آخر لم تكن بواضحة أبداً على الرغم بفوزه بجائزة الملك فاروق الصحفية وهي جائزة لا يبدو أنها تمنح إعتباطاً لأي صحفي إلا إذا كان رؤساؤه والبلاط والسلطة بكاملها راضية عنه وعن جهوده وهي تشكل قيمة كبيرة حينذاك في الأوساط الصحفية .


ومن جانب آخر يبدو أن هذا الشاب قد نجح بكسب ربط ولائه للسلطة أولاً وبكل من مصطفى وأخيه علي أمين ثانياً حتى يرسل إلى الخارج ليصف الأحداث الخارجية ، وكان طموحه الشخصي وسعيه لذلك قد جعل مصطفى أمين يعتقد بأن لدى هيكل عقدة نقص تربوية وإجتماعية وعليه فقد أصبح مراسلاً لمنطقة الشرق الأوسط وقام بتغطية عدة أحداث ساخنة للفترة من 1946 إلى 1951 وجعله يبني له علاقات مع الخارج ، وقد أصدر عام 1951 كتيباً عن إيران مصدق أسماه (إيران فوق بركان) وخلال السنوات الخمس المذكورة حصل هيكل ثلاث مرات على جائزة الملك فاروق التي غدا لها أكثر من معنى خصوصاً وان إسمه ذاع قبل ثورة يوليو 1952 وكانت له إتصالاته السياسية في الداخل والخارج وقد طلبه أكثر من مره رئيس الوزراء المصري محمود باشا النقراشي ... ولا أحد يعتقد ان محمود باشا النقراشي أو نجيب الهلالي كانا يستدعيان الشاب هيكل ليستشيراه في تشكيل الوزارة مثلاً كما يدعي هيكل ذلك في ما كتبه في كتابه " بين الصحافة والسياسة " ولكن ربما إستدعياه لتكليفات سياسية وصحافية كصحفي شاب يعمل في إطار النظام الملكي الحاكم ...ليس إلا ؟ ومن تاريخه الصحفي أيضاً أنه في شهر مايو 1946 إلتحق بدار أخبار اليوم ليبقى سنتين كاملتين كي يعمل في شهر مايو1948 كأول مراسل حربي خلال حرب فلسطين والتي سيتعرف خلالها على بعض الضباط وكان منهم البكباشي (المقدم) جمال عبد الناصر ، وقد لمع إسم هيكل بشكل باهر من خلال سلسلة المقالات والتحقيقات الصحفية التي كتبها أثناء الحرب فضلاً عن صور وأحداث الإنقلابات العسكرية التي كان يتفنن في نقل أخبارها الدراماتيكية خاصة تلك التي حدثت في سوريا والعراق واليمن وليبيا وتركيا وإيران . وقد إنضم إلى نقابة الصحفيين المصريين في شهر يناير 1948 وعيّن بتاريخ 13 يونيو 1952 رئيساً لتحرير مجلة (آخر ساعة) الأسبوعية.

NEXT STEPS : LEAPING NEXT TO NASSER

الخطوات التالية : القفز إلى جانب جمال عبد الناصر

لقد غرست كل من المرحلتين الأولى والثانية أي الشبابية الأولى من حياته سماته ورسمت خطوطها العريضة شخصيته وأسلوبه في الحياة ، إذ كانت ولم تزل تلك الخطوط تلازمه حتى يومنا هذا من الناحية العملية والفكرية وليست من الناحية السياسية والايدولوجية وكان الرجل قد وظف الأولى - وهي الأثمن عنده - في خدمة الثانية التي ولدت بعد ثورة 23 يوليو 1952 ، وكان توظيفاً بارعاً سواء على مستوى العمل الصحفي أم على مستوى المنصب الوزاري الذي لم يدم طويلاً ، وما عدا ذلك فإن كل حياة الرجل إرتبطت بإسم كاريزما زعامية خطيرة ممثله بالرئيس جمال عبد الناصر ولم ترتبط بالوطن الأم (مصر) أو بالوطن العربي ، وهذا ما يتضح جلياً في جملة الكتابات التي نشرها على إمتداد حياته الخصبة بدليل أنه كان ولم يزل يشعر بهذا الشعور في أعماقه مما دعاه إلى أن يطلق على واحد من كتبه إسم ( لمصر لا لعبد الناصر ) .

ولنعطه حقه ولا نظلمه فإن هيكل صحفي ناجح أولاً وأخيراً وقد فاق غيره بإمكاناته الباهرة وأسلوبه المبسط ، ويبدو أنه من المعجبين جداً بإنكبابه على العمل ليل نهار فضلاً عن طبيعته في متابعة الأمور والطريقة التي تميزه في جمع المعلومات أولاً وصياغتها ثانياً وتأسيس العلاقات ثالثاً ، وكل هذا لا يمنع أن تكون للرجل مزايا من نوع آخر ، فهومن النوع الذي يريد دوماً أن يكون في قلب السلطة – أي سلطة لا يهم- وهو الذي يطمح دوماً أن يكون لصيقاً بعلية القوم ، ولا يتعامل إلا مع مثل مستواهم ، كما أنه من النوع الذي يعتقد بأن كلمته هي الأخيرة دوماً ويظن بأنها ستحسم كل الأمور ، وهو من النوع الذي يريد من الآخرين إعتباره مرجعية لهم خصوصاً عندما يبهرهم بما يقصص عليهم من المعلومات النادرة التي توحي للآخرين بدوره الخطير والمؤثر والمهم في الأحداث ، وربما كان للرجل دور أم لم يكن له أي دور ، لكن هيكل من القدرة والذكاء على إختيار الوقت المناسب والمناسبة المعينة كي يفجّر خلالها معلوماته المثيرة*

بعد حرب أكتوبر 1973 توترت العلاقات بينه وبين الرئيس السادات خصوصاً أثر نشره مقالات ضد الخطة الأمريكية لإعادة ترتيب أوراق المنطقة ، فصدر قرار جمهوري في الأول من فبراير 1974 بتعيينه مستشاراً صحفياً لرئيس الجمهورية وقبل خروجه منهـا

---------------------------------------------------
* 1- عشرون ساعة حوار مع هيكل : فؤاد مطر (دار الشؤون الثقافية 1989-بغداد) .
2-من أفضل المراجع حول هذه "الموضوعات" الخاصة هيكل الرجل اللغز:القصة الكاملة                   لعلاقة عبد الناصر وهيكل الطبعة الأولى (الكرك : دار نصار للنشر والتوزيع 1984) .


كتب آخر سلسلة مقالاته (بصراحة) وقال بعد أن خرج من الأهرام (لقد تركت هذا المبنى ولن أعود إليه) ومع مرور الأيام إزدادت العداوة والبغضاء بينه وبين الرئيس السادات ، وفي شهر مايو 1978 ُمنع هيكل من السفر إلى خارج البلاد وتم إستدعاؤه أمام المدعى الإشتراكي بتهمة التشهير بسمعة مصر وتهديد سلامة الجبهة الداخلية .. وفي 5 سبتمبر 1981 صدر قرار بالتحفظ عليه ونقله إلى السجن ضمن حملة شملت (1536) سياسياً بإتهامات سياسية كثيرة ، وبقي في السجن حتى حادثة المنصة في 6 أكتوبر 1981 . وفي 25 نوفمبر 1981 أصدر المدعي الإشتراكي قراراً بالإفراج عنه ضمن 21 شخصاً من المعتقلين السياسيين وإستقبلهم الرئيس الجديد حسني مبارك فور الإفراج عنهم . (كي يطبلوا له ويزمروا على كرسيه الجديد) .

وأنكبّ هيكل على مدى سنتين من إطلاق سراحه لينشر بعد ذلك كتاب (خريف الغضب) الذي أثيرت حوله زوبعة كبرى وضجّه بالغة شملت مصر والعالم العربي .

سماته الخاصة :-

يصف أحد المعجبين بهيكل بأنه يبدو لمن لا يعرفه بأنه لورد بريطاني فهو لا يستقبل زواره إلا بملابس كامله ، ويدخن أنواعاً من السيجار يفهم فيها ، ويلعب الجولف في الصباح ويحرص على حضور مهرجان (موتسارت) كل صيف في سالزبورغ ، لكنه في أعماقه لا ينسى سيدنا الحسين ويحفظ الشعر العربي ، ويهوى أم كلثوم وعبد الوهاب ، ويتذكر أقرب الأصدقاء إليه " كامل الشناوي وتوفيق الحكيم " ، إنه لورد تمتد جذوره إلى سيدنا الحسين ويستطرد هذا المعجب الغافل عن حقيقة هذا الدجال قائلاً : إنه يحفظ عشرة آلاف بيت من الشعر العربي ولديه مكتبه بها 25 ألف كتاب ويهوى سيد درويش ومحمد عبد الوهاب والتواشيح والموسيقى الكلاسيكية التي تصدح في مكتبته مع دخان السيجار وهو يكتب أو يحاور ضيوفه ....

                                                         وإلى اللقاء في الحلقة القادمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق