الخميس، 22 مارس 2012

نظرية تقول بضرورة تغوّل الثورة (الحلقة 1)


نظرية تقول بضرورة تغوّل الثورة
الحلقـــــة (1)                                                                  بقلم : إبراهيم السنوسي إمنينه
11/2/2011 م             

من الثابت أنه لولا أن فرض الإنقلابيون في ليبيا فجر أول سبتمبر 1969م نظام حظر التجول خلال معظم ساعات اليوم ، لما تحقق لهم فرض النظام بتخويف الشعب وترهيبه بالمشاهد المسلحة من دبابات تنتشر في الشوارع والساحات وعسكر مدججين بأسلحتهم يعبرون الشوارع ويقطعون السبل ، وكان هذا ما حسم الأمور لصالح الإنقلابيين في رقعة إمتدت غرباً وشرقاً وجنوباً لمساحة تقترب من الثلاثة آلاف كيلومتر في زمن لا يزيد عن ثلاثة أشهر على أكثر تقدير ثم عادت الأمور إلى طبيعتها والحياة سيرتها الأولى ، وكان ذلك يرجع الفضل فيه إلى من سبقونا "في الإيمان" من بعض القادة العرب شرق ليبيا وفي العراق ، إذ أرسلوا مستشاريهم ليستبقوا الأمور وليحصلوا على موطئ قدم .
كانت مصر قد تفضلت بإيفاد شخصية عسكرية برتبة رفيعه إسمه محمد فتحي إبراهيم الديب والذي أصبح مستشاراً لما كان يسمّى بمجلس قيادة الثورة ومكث لفترة زمنية تزيد على 21 شهراً أي إنتهت في يوم 18/مايو 1971م وكان في إستقباله في مطار بنينا كل من المقدم آدم سعيد الحوّاز والنقيب مصطفى الخروبي . كان هذا الضابط المستشار قد قدم إلى ليبيا بأمر من عبد الناصر يوم الأربعاء 3 سبتمبر 1969م ، وبناءً على طلب من مجلس قيادة الإنقلابيين تقدم به آدم الحواز إلى القنصل المصري أو السفير في السفارة المصرية في بنغازي .
على مدى 21 شهراً ظل الضابط المستشار فتحي الديب على كرسيه بمكتب في مبنى مجلس قيادة الثورة متنقلاً بين بنغازي وطرابلس ، يرسّخ مبادئ الإرهاب المنظم للمحافظة على بقاء الإنقلابيين في السلطة ، ولو أدى ذلك إلى تغوّل الثورة وتحقيق مبدأ : الثورة تأكل أبناءها ، وكذلك مبدأ "ذبح القطة أمام العروس في ليلة الدخله" كما يقول المثل المصري الدارج .
نقتطف من كتاب : عبد الناصر وثورة ليبيا – دار المستقبل العربي- 1986م لمؤلفه محمد فتحي إبراهيم الديب ما يلي :-
(فوجئت صباح اليوم الثالث من سبتمبر بإتصال من السيد سامي شرف ، سكرتير الرئيس لشئون المعلومات ، ليقول لي ويخطرني برغبة الرئيس جمال في لقائه فوراً لأمر هام . وتوجهت على الفور لمقابلة الرئيس الذي فاجأني بقوله : طبعاً أنت تابعت يا فتحي أحداث ليبيا ، وبعد أن بدأت الصورة تتجلّى أمامي قرّرت أن نقف إلى جانب مجلس الثورة الليبية لنوصلها إلى برّ الأمان ، ولعلمك يا فتحي أنا طلبت ترشيح من يصلح لهذه المهمّه الخطيرة ، وعُرضت عليّ الكثير من الأسماء ، لكنني قلت للكل أنه     لا يصلح لهذه المهمّه إلا الـ Fighter المقاتل بتاعنا ، فتحي الديب ، وأنا اخترتك لأني عارف إنك قادر على القيام بهذه المهمة بنجاح ، وزي الجزائريين ما كانوا بيثقوا فيك ويحبوك كلهم ، عاوزك تتبّع نفس الأسلوب مع الليبيين ، وما تبخلش عليهم بأي شئ ، وأنا بأضع سمعة مصر ومستقبل مصر كلها في إيديك وما فيش قدامك غير حل من إثنين : إما النجاح وتأمين الثورة أو أدبحك بإيدّي شخصياً ، ولعلمك أنا كنت كلمت محمد فوزي لكي يحرّك القوات اللازمة من الطيران والمدرعّات والمشاة الميكانيكية إلى الحدود الليبية ، وهذه القوات ستكون في معاونتك إذا طلبتها فهي تحت أمرك . وقد أمرت بتجهيز طائرة مصرية جاري إعدادها الآن لتستقلها ومعك من ترى الإستعانة بهم من خبراء عسكريين ومدنيين وخبرة شفره ، وأنا أمرت بتجهيز خطاب مني لقائد الثورة الليبية . (ويستطرد الديب) وبعد كده عاوزك تداوم الإتصال لتضعني في الصورة لما يحدث أولاً بأول ، والمهم أنك تجنبهم الوقوع في أي خطأ زي اللي وقعنا فيه في أول الثورة ، وأن تركز إهتمامك على تأمين الوضع الداخلي في البداية حتى تتفرغ لمواجهة بقية المشاكل الخارجية بالتدريج ، ولو إحتجت لأي خبره أرسل لي فوراً لتحصل عليها " إنتهى الإقتباس ) .
نقول أن هذا المستشار قام بتنفيذ تعليمات الرئيس جمال بحذافيرها وبكل دقة إذ كان يجتمع فردياً وشخصياً بكل عضو من مجلس الثورة ، ويقوم بإرسال تقرير مفصل لعبد الناصر يشتمل على تحليل يعكس شخصية كل عضو من الناحية النفسية والسلوكية ، بما فيهم رئيس الإنقلاب نفسه ، كذلك كان يدق الأسافين بين بعض الأعضاء والقذافي ، ويقدم النصائح والإنتقادات له في مسائل تؤدي إلى الفتنة وإتخاذ مواقف شخصية من بعضهم البعض تقودهم إلى التفرق وحتى عدم حضور إجتماعات المجلس .
هذه التعاليم التي أوحى بها المستشار فتحي الديب قادت إلى تغـــوّلقائد الإنقلاب ومن بقي معه ودفعته إلى القيام بعملية التغـوّل لتتم له السيطرة التامة وإتباع الفردية والشمولية المطلقة في إحكام القبضة الحديدية على مقاليد الأمور فما هي إلا أقل من ثلاث سنوات حتى أُلغي الدستور (في أبريل 1973) وأُلغي العمل بالقوانين المرعيّه قبل وصوله إلى سدّة الحكم واستبدالها باللجوء إلى نظام المؤتمرات الشعبية ومؤتمر الشعب العام ، وإلى مصطلح التصعيد بدلاً من الإنتخابات البرلمانية ثم الإفساد في العقيدة والدين وكذلك الفطرة ، وكأنّي به قد قرأ وطبّق ما جاء في كتاب (طغيان السلطة-1984 لجورج أورويل)-حرفياً وما طبقه جوزيف ستالين طاغية روسيا ، وصاغ دستوراً من ثلاث كتيبات أطلق عليه الكتاب الأخضر ، وهو نتاج هلوسات وأمراض نفسية وإجتماعية .

؛؛؛؛؛ وإلى اللقاء في الحلقة القادمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق