الخميس، 9 أغسطس 2012

تابع : حلقات ومراحل المؤامرة الكبرى ضد ليبيا


تابع : حلقات ومراحل المؤامرة الكبرى ضد ليبيا

9-8-2012                                               بقلم : إبراهيم السنوسي أمنينه
وإذا كان إنسحاب المتطوعين الأتراك والمصريين قد أضعف مركز المقاومة في برقة، فقد لاحت أمامها قبيل الحرب في أوائل سنة 1914 فرصة لتثبيت أقدامها من جديد في كل من برقة وطرابلس. ذلك أن الطليان قد جندوا عدداً من الليبيين في الغرب ليقاتلوا معهم ضد السنوسية .
وقد وجد رمضان السويحلي أنه من العار والعيب مقاتلة بني وطنه وكذلك دبّر خطة للانقضاض على القيادة الإيطالية أثناء اشتباكها في معركة القرضابية في أبريل 1915 مع السنوسيين بقيادة صفي الدين السنوسي – أمير برقة آنذاك، وقد تم تنفيذ الخطة بنجاح في القرضابية حيث لحقت بالإيطاليين هزيمة منكرة، وتكبدوا الكثير من الخسائر في الأفراد والعدة والمعدات، اضطروا بعدها – أي الإيطاليون – إلى أن يتوقفوا عن التوغل خلف المدن الساحلية، ثم جاءت الحرب (العالمية الأولى) لتزيد موقفهم تعقيداً . ذلك أن الدولة العثمانية منذ أن أعلنت الحرب على بريطانيا وفرنسا، بنت خططها على أساس استرداد مصر، وذلك بالتنسيق بين زحف مباشر عبر قناة السويس شرقاً وغارات يقوم بها السنوسيون مستعينين بضباط أتراك على حدود مصر الغربية والواقع أن هذه الخطة قد اكتنفها عدة ملابسات اضعف من شأنها في نهاية الأمر، فالمساعدات العثمانية  كانت ضئيلة، ولم يكن من الممكن إيصالها إلا عن طريق البحر والرسوّ في موانئ مهجرة ثم التسللّ إلى الداخل .
ومع ضآلة هذه المساعدات إلا أنها أرسلت بقيادة ضابطين معرفين هما : نوري بك وجعفر العسكري .
وبقي سؤال هو :
هل كان السنوسيون من الكفاءة بحيث يستطيعون القيام بهجوم فعال على حدود مصر الغربية حتى لو أخذنا في الاعتبار أن بعض الحاميات المصرية على الحدود مالت إلى تلك الجبهة السنوسية العثمانية وانضم بعض الجنود إليها ؟؟ ومن المعروف أن حملة جمال باشا كانت قد مُنيت بفشل ذريع أمام قناة السويس عام 1915 ولذلك فشلت الخطة العسكرية العثمانية ومن الناحية السياسية لم يكن التعاون بين أحمد الشريف والعثمانيين قائماً على أسس متينة . لقد حاول هؤلاء الأخيرين اغراءه – أي أحمد الشريف – بشتى الوسائل فعينوه نائباً للسلطان في البلاد وقد كان بحاجة إلى هذا التأييد المعنوي بعد أن رأى أن زعامة طرابلس أخذت تنتقل إلى رمضان السويحلي الذي أقام حكومة – بل جمهورية في مصراته، فلا يمكن أن يكون الشريف أقل منه شأناً .    
ولكن بينما كان يتعامل في الظاهر مع العثمانيين تراسل أحمد الشريف سرّا مع كل من السير ماكماهون، المعتمد البريطاني في القاهرة، وماكسويل الحاكم العسكري في مصر، ونصوص هذه المراسلات وترجمتها موجوده في كتاب حاضر العالم الإسلامي، وربما كانت ميوله أقرب إلى الانجليز في بداية الأمر لأنه كان يدرك صعوبة الاصطدام مع دولتين أوروبيتين في وقت واحد هما إيطاليا وبريطانيا، كما تشير إلى ذلك ردوده على ماكماهون . على أن هذه المراسلات جرت غالباً قبل دخول إيطاليا الحرب بجانب بريطانيا في أبريل 1915، فلما تم هذا التحالف صار من العسير على السيد أحمد الشريف مواجهة أتباعه بفكرة التقارب من بريطانيا، أضطر إلى خوض الحرب ودخلت بعض وحدات سنوسية عثمانية إلى مرسى مطروح، ولكن سرعان ما استرد الانجليز هذه المواقع ولم يصمد الشريف طويلاً بعد هذه الهزائم، فقرر مغادرة البلاد وترك شئون الحكم لابن عمه إدريس الميال إلى الطرق الدبلوماسية .
اتسمت السياسة العثمانية بالتناقض إزاء ليبيا في الحرب العالمية الأولى فقد عُين أحمد الشريف نائباً للسلطان وصار يصدر الأوامر بتوقيعه الخاص كحاكم مسئول . وفي نفس الوقت عينت حكومة استانبول سليمان الباروني والياً على طرابلس ولما كانت الدولة عاجزة عن تأمين نظام الحكم بنفسها فقد اضطر الوالي العثماني إلى الالتحاق بالحكومة الوطنية التي أسسها السويحلي في مصراته كما التحق بها المبعوثون العثمانيون الآخرون وهم فوزي بك وعبد الرحمن عزام .
أما زميلهم الثالث جعفر العسكري فقد أسره الانجليز انضم فيما بعد إلى حركة الشريف حسين في الحجاز . وعلى العموم والأرجح أنه لم تسد علاقات طيبة بين حكومة مصراته والسنوسية فقد حلّ – السيد صفي الدين السنوسي بمصراته وأراد أن يخلع على نفسه صفة ممثل الحكم السنوسي في البلاد، ورفض التعاون في خطة تستهدف مهاجمة الفرنسيين في تونس بينما طالب السويحلي بخمس الدخول المحلية على أساس أنها غنائم بعد معركة القرضابية، وبما أنه يعرقل خطط الجهاد فهو أبعد الناس إذاً عن المطالبة بتطبيق قواعده الدينية، وقد كان بوسع العثمانيين أن يستخدموا الوطنيين في ليبيا بطريقة أفضل لتحقيق خطتهم الكبيرة الرامية إلى إثارة المغرب العربي الكبير بأكمله للتأثير على قوة فرنسا العسكرية . 
وإذا علمنا أن تاريخ الاحتلال الإيطالي يمتد على مدى عشرين عاماً من 1911 إلى 1931 ، فإنه يمكن التمييز بين ثلاث فترات متباينة ، وتتمثل الحقبة الأولى في ذلك القتال المتفرق الذي نشب مع الدولة العثمانية والقوى الوطنية التي خلفتها .
أما المرحلة الثانية فقد جرت فيها محاولات للتوفيق بين هذه القوى وبين الوجود الإيطالي في الساحل مع عدم تحديده قانونياً بالنسبة للمناطق الأخرى .
وتبدأ هذه المرحلة بميل السنوسية إلى المهادنة تنتهي عندما قرر الفاشست الانقلابيون تطبيق سياسة الإحتلال الشامل سنة 1923 فاصطبرموا عند ذلك بالمقاومة البطولية التي قادها عمر المختار نحو ثمان سنوات ، وانتهت بأسره ومن ثم إعدامه في 16/9/1931م .
ونحن الآن بصدد المرحلة الثانية من تاريخ الإحتلال
لقد ظهر ميل السنوسيون إلى مهادنة الانجليز (حلفاء الإيطاليين) خاصة وذلك منذ أن تبين لأحمد الشريف عجز العثمانيين عن إسترداد مصر . وقبل أن يتخلّى عن السلطة افتتح المحادثات مع مبعوث بريطاني هو الكولونيل (Talbot) تالبوت ، وكان يساعده في هذه المهمة الرحّالة أحمد حسنين باشا ، الذي إشتهر برحلاته الكشفية في الصحراء الغربية . لكنه إكتفى في هذه المحادثات الأولية بجّس النبض ، ولم يكن الجانب الآخر من المفاوضين وهو بريطانيا ، يتحدث بإسمها فقط بل بإسم الحلفاء ، فقد تعهدت كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا بعدم الإنفراد في أية إتفاقية تُعقد مع السنوسيين ، ولذلك لحق الإيطاليون عندما تقدمت المباحثات بالانجليز ودارت المرحلة الأولى منها خلال شهر يونيو 1916م في بلدة الزويتينه على شاطئ البحر على بعد 18 كيلو متر من إجدابيا- عاصمة إقليم برقه الذي حصل على إستقلاله يوم 1/6/1949م .
   
                                               ؛؛؛؛ وإلـى اللقــاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق