الخميس، 2 أغسطس 2012

على هامش الفيدرالية مذكرات فيدرالي حتى النخاع الجزء الثاني من حلقة مستقلة


على هامش الفيدرالية
مذكرات فيدرالي حتى النخاع
2-8-2012                               بقلم : إبراهيم السنوسي أمنينه
الجزء الثاني من حلقة مستقلة
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين صدق الله العظيم (الذاريات،آية 55)
تحدثنا في الجزء الأول والمعنون " بحلقة مستقلة " ، عن عدوانية وطبيعة سكان نواحي سرت من البدو والرحل ويسمّون في ذلك الزمان           "بصف الغرب" ، ويتركبون من عدة قبائل منها الحسون والفرجان والمعدان والقذاذفة والزواوات . هذه القبائل بقيادة شخص اسمه صالح بن رزق الله الحسوني كانت قد قامت بمحاولات وإعتداءات متكررة على إخوانهم وجيرانهم من الناحية الشرقية (عرب برقة) ويدعونهم "صف الشرق" ، وذلك لأغراض توسعيّة إستعمارية ربما كان السبب والدافع إليها ما أصاب الغرب من قحط وجدب في ذلك العام 1811م . غيرأن هذا السبب هو ظاهري والغرض منه التبرير فقط أما السبب الحقيقي والأصل في الغرض هو الرغبة في التمدّد والتوسّع إلى الشرق– أرض الخصوبة والنماء وتوفر الكلأ والمرعى والماء ، والحصول على المزيد والتمتع  بالأراضي والمنتجعات وذلك على حساب أصحابها وسكانها الأصليين المسالمين الآمنين وذلك بطريق دفعهم وتهجيرهم إلى الشرق بالقوة الجبرية واحتلال أراضيهم ومنتجعاتهم ومن ثم إستعمارها.
ومازلنا بصدد التحدث مع سيف الأزلام (حديث الذكريات) وتذكيره بحديثه ليلة 20 فبراير 2011م ، ويا له من حديث ذي شجون ، ليلة أن بشرنا بحرب أهلية ، وحرق النفط والغاز والكلام كان موجهاً تحديداً (لعرب برقه) ، إذ أمرنا بالتراجع وأنه لم يستخدم القوة بعد ، أقول نذكره بأن أسلافه كانوا قد قاموا قبل قرنين من الزمان أي في العام 1811م الموافق 1227هـ بمحاولة لتهجيرنا من أراضينا في برقه بالقوة بطريق الحرب لكننا قاومناهم وإنتصرنا عليهم واقتفينا آثرهم من موقع إلى موقع وسقط منهم قتلى كثر منهم قائدهم الشيخ صالح بن رزق الله وولده الذي إسمه " شيناه " إلى أن وصلت فلولهم إلى موقع يسمى " زغبـا " فماذا حدث ؟ فلنواصل :
وهناك اشتبك الفريقان في أول معركة رئيسية كان النصر فيها حليف " صف الغرب " ، وانسحب "صف الشرق"  إلى موقع يسمى (بوجيدارية) ، ثم التقى الجمعان في اليوم الثاني وهو يوم الجمعة غرة رمضان 1227هـ الموافق 1811م ، فانتصر ايضاً "صف الغرب" بادئ ذي بدئ وانسحب "صف الشرق" وهناك خشيت فتاة اسمها (أم العزّ) بنت الشيخ الكاسح الكيلاني من استمرار انسحاب قومها وهي التي كانت تضرب طبل العلايا راكبة على جملها فنزلت وأمرت ببناء بيت أبيها وأبت أن تسير فخجل قومها أن يفوتوا بيتها مبنياً للأعداء وهي فيه ، فكرّوا على الأعداء بشدة وعنف غير مبالين بمن يموت دفاعاً عن العرض والكرامة فانهزم "صف الغرب" بعد قتال شديد والموت في أول رجالهم وآخرهم – ونذكرك يا سيف هنا بما ذكرته لك آنفاً في الجزء الأول وهو أن :
       برقه تموت قعصاً ولا تموت حتفاً كما يموت البعير
ولم ينج من رجال "صف الغرب" إلا أربعين فارساً فروا عدواً على خيولهم وكانت هذه المعركة هي الفاصلة وكان قد قتل فيها الشيخ جلغاف بو امقرّب البرعصي وكذلك الشيخ وشاح البرعصي ، والغول مطرود ، وعقيلة محمود بوهيبه ، وغيرهم من رجال "صف الشرق" ثم أخذوا يقتسمون من غنائم وأموال صف الغرب من الإبل والغنم والخيل والحمير والأثاث وكانت أموال المنهزمين جد كثيرة وصاروا يأتون إلى الحفر المنخفضة من الأرض المحاطة بالربوات العالية ويُدخلون بها الصنف المراد تقسيمه من الإبل أو الغنم بدون عدد حتى تُملأ . ولازالت المقبرة التي تضم رفات الموتى يومذاك معروفة بموقع " زغبـا " .
وتحضرني بعض الترانيم التي قيلت من قبل المقاومين البرقاويين التي تعكس وترسخ الإصرار على هزيمة العدوّ سواء كان أجنبياً أم من جلدتنا :
يبقى ضليل رأي العقل عليه كان " باريللاّ " حكم
وكان "باريللا" حاكم بلدة المرج في برقه ، ومعنى البيت أنه من ضلال الرأي التفكير بأن "باريللا" سيحكم المرج أو يستمر في حكمه .
وقال غيره عندما قيل له أن الليبيين في الغرب استسلموا للطليان وتوقفوا عن القتال ويطلبون من البرقاويين أن يستسلموا كذلك ويلقون السلاح :
 على وطننا والله ما ولّينا نحنا انحاربوا والغير بينا بينا
وقال المجاهد البرقاوي "شلّوف" سنة 1948م إبّان الجهاد ضد المحتل اليهودي لأرض فلسطين في وصفه لمعاملة الجيش المصري للمجاهدين الليبيين المتطوعين ومنعهم من التقدم في جبهة القتال وحصرهم بدلاً من ذلك في معسكر (قشلاق) يبعد مئات الأميال عن جبهات القتال ، تحت الحراسة :                
يا شينك حال، صقع وشرّ، وضيم ارجال   المونه تمت فول وبيظنجال
وقال آخر :
   "يا بيانكي" ياما اتعاني دونه خط الجبل واعر عليك اسكونه
و"بيانكي" هذا كان هو الجنرال الإيطالي الذي كان يحكم منطقة الجبل الأخضر.
وفي الختام يتحتم علينا تعريف القراء ببلدتكم سرت- ماذا قال فيها المؤرخون والشعراء ونقله لنا أحمد بك النائب الأنصاري في كتابه "المنهل العذب في تاريخ طرابلس الغرب" الذي أشرف على طباعته ومراجعته المرحوم الشيخ الطاهر أحمد الزاوي ، وذلك لتعميم الفائدة ، فنقول :
هذه البلدة التي ملكها منذ أربعين عاماً ويزيد معمرّ الطاغية وأبناؤه وأقاربه من أراذل القوم وسقاطة القبيلة وعلى رأسهم الأستاذ أحمق البهيم اللئيم خائن التعليم ، وعمر اشكال القحصي الذين فرّوا وتركوا قصورهم المنيفه كالجرذان نهباً للمرتزقة الذين أتوا بهم مأجورين محمّلين بحبوب الفياغرا لاغتصاب حرائر هذه البلدة، حتى أرغموا الأهالي على النزوح إلى مصراتة أو إلى أي مكان بعد أن عـزّ المأكل والمشرب النقي والدواء والغذاء للأطفال، وحتى الوقود لتأمين الهروب بسياراتهم إذ بلغ سعر "البيدونى" أو الصفيحة أو الوعاء عبوّة 20 لتر 400 جنيه بعد أن كان يساوي 3 جنيهات فقط، كما أن مساعدات الصليب الأحمر بسياراتهم وأطبائهم مع الغذاء والدواء وحليب الأطفال لم تتمكن من الدخول إلى المدينة لتقديم العون بسبب قصف الكتائب واتخاذهم المدنيين دروعاً بشرية من قبل المعتصم والمرتزقة والمأجورين الذين قصفوا حتى المستشفيات والفنادق وأصبحت سرت كما قال مندوبو الصليب الأحمر في حالة مزرية من الناحية الإنسانية .
هذه البلدة سرت كان قد قال فيها الرحالة "البكرى" ونقل هذا القول أحمد بك النائب الانصاري في كتابه "المنهل العذب في تاريخ طرابلس الغرب الذي أشرف على طباعته ومراجعته المرحوم الشيخ الطاهر أحمد الزاوي" التعريف التالي :
" مدينة سُِرت بضم السين وكسرها كائنة بداخل السرت الكبير في نصف الطريق التي بين مصراتة وبنغازي . واسم سرت يطلق على ساحل السرت الكبير الذي جزؤه الشرقي يسمىّ (جون الكبريت) يحيط بها سور من الطوب وبها جامع وحمام وبعض أسواق ولها ثلاثة أبواب : القبلي والبحري والثالث صغير يشرف على البحر. وبها نخل وبساتين وآبار عذبة الماء وعدد كثير من الصهاريج، ويذبح بها المعز ولحمه جيّد أحسن ما يؤكل، وأهلها أخبث الناس أخلاقاً، معاملتهم سيئة جداً لهم أسعار مقررّة بينهم. فإذا رست سفينة بمرساهم وكان بها زيت مثلاً وكانوا في أشدّ الاحتياج إليه فإنهم يتخذون قرباً فارغة ويسدّون أفواها بعد النفخ فيها ويملئون بها الدكاكين كما يعلقون بعضها على واجهات دكاكينهم يوهمون أصحاب السفينة أنهم غير محتاجين إلى هذا الصنف، فإذا طال مقامهم بهذا المرسى فإنهم يضطرون إلى بيع بضاعتهم إلى تجار سرت بالأثمان التي كانوا قد قرّروها هؤلاء التجار فيما بينهم بلا زيادة – ذلك لأنه كلما طال بقاء تلك السفن داخل الثغر فإنه يترتب على ذلك مصاريف تصاعدية تدفع للحكومة القائمة ولا طاقة لهم بها .
ولدناءة طبعهم، يستطرد البكرى الرحالة، يقال لهم (عبيد قرلاّ) نسبة لطير صغير يُضرب بشراهته وحرصه المثل، فإنه يكون في الجو كالشاهين (الصقر) ينظر بعين إلى الماء وبأخرى إلى السماء، فإن نظر سمكة انقض عليها كالسهم وإن رأى طيراً جارحاً يقصده هرب منه، وقيل في المعنى :
 يا من جفاني وملاّ           نسيت أهلا وسهلا
وما ترحّبـت لمـاّ         رأيت مالـي قـلاّ
إنى أظنـّك تحكـى         بما فعـل القرلَّـى
ولسانهم ليس بعربي وأطوارهم تخالف أطوار أهل طرابلس، لأن أخلاق أهل طرابلس سهلة، صادقون في المعاملة مع الأغراب وغيرهم .
وقال فيهم أيضاً :-   
         يا سرت لا سُرّت بك الأنفسُ     لسان مدحى فيك أخـرسُ      
         ألبستـم القبـح فـلا منظـرُ     فيكم يسرُّ النفس ولا ملبسُ
ومن المعروف أن أحمق اللئيم البهيم عدو التعليم، واسمه حسب شهادة الميلاد الصادرة من تشاد هو: أحمد إبراهيم منصور القحصي ودرس في سبها المرحلة الثانوية ثم توجه إلى جامعة بنغازي وتحصل على ورقة تفيد بتخرجه بأوامر من الطاغية، بينما في الواقع لم يحصل هذا التخرج، وعيّن مساعد مسجّل بالجامعة بأوامر من الطاغية أيضاُ متفرغاً للتنظير والتطهير، وعاث فساداً في هذا المرفق من تهديد وفصل وسجن وتعذيب لزملائه الطلبة ومن يحتج من أعضاء اتحاد الطلبة إلى أن جاء يوم 07 إبريل 1976 وهو  "عيد التلمود" عند أخوال الطاغية" . وهاجت الهيجاء وكان ما كان، وأصبح يقيم في قصر منيف في سرت، وقيل إنه حمل ما خف وزنه وغلا ثمنه من عملات صعبة ومجوهرات وفرّ هارباً هو وعمر اشكال ومن شاكلهما ربما إلى تشاد مسقط رأسه أو "إلى حيث حطت رحلها أم قشعم"، أما المعتصم حفيد الطيار الكلورسيكي "البابريزوس" "ALBAR BRIZOSI" الذي سقطت طائرته في صحراء ليبيا أثناء الحرب العالمية الثانية وهو كثير الشبه به، فقد بقي في سرت "معتصماً مختبئاً" كالجرذ في إحدى حفر قبو مستشفى ابن سينا، أو في قسم الولادة كما كان يختبئ أبوه قائد وملك ملوك الجرذان في أقسام الولادة بمستشفيات طرابلس قبل أن يفتحها الثوار الأشاوس يوم 20/08/2011 .
وأخيراً نختم هذا الحديث بنافلة القول بأن الطاغية كان قد وضعته أمه تحت نخلة في قرية تسمىّ "جهنم" في نواحي بلدة سرت التي نحن بصدد الحديث عنها.
وبعد ، هذا ما وجدت في التاريخ ما يخصك ويخص ذويك وأسلافك .
(هذه المقالة التي تخص تاريخ سرت كان قد سبق وأن طُبعت ونُشرت على هذه المدونة بتاريخ 5/10/2011م .لذا وجب التنويه)

     ؛؛؛؛؛؛ وإلى لقاء في قرية جهنم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق