الأحد، 26 أغسطس 2012

تابع المؤامرة العالمية الكبرى ضد ليبيا خلال السنوات (1914 – 1923) الحلقة التاسعة


تابع المؤامرة العالمية الكبرى ضد ليبيا
خلال السنوات (19141923)
الحلقة التاسعة                                             بقلم : إبراهيم السنوسي أمنينه
16-8-2012                                                                                                                                 
... أخذت معارضة الزعماء الطرابلسيين للسنوسيين تزداد حدّة وبشكل خاص بعد أن صار صفي الدين ، بعد انتصار المجاهدين من الأقاليم الثلاثة طرابلس وبرقة وفزّان على الجيوش الإيطالية المحتلة في معركة القرضابية – أصبح يشعر بعد ذلك الانتصار، بأنه الحاكم المطلق في مصراته وبني وليد، وأخذ يفرض الضرائب بصورة مستقلة على سكان هاتين البلدتين التابعتين لإقليم طرابلس، (فمثلاً على الجمل الواحد 50 فرنكاً، وحوالي نصف هذا المبلغ على البقرة وذلك بالإضافة للأعشار) وقد تصدّى رمضان السويحلي بشدة لذلك التصرف، وكان ذلك واحداً من أسباب النزاع بين الزعيمين (الطاهر الزاوي – كتاب عمر المختار – 1970 ص – 54) . وانضم معارضو رمضان السويحلي إلى صفي الدين السنوسي ووحّدوا قواهم لتجريده من منصب رئيس الدولة بينما كان أنصاره يطالبون بأبعاد صفي الدين عن مصراته (كحامل لعقيدة السنوسيين المعادية لهم ؟؟) .
وكان علي السيد صفي الدين أن ينتقل إلى ترهونة حيث عقد إجتماعاً لزعماء القبائل، والشخصيات الدينية في المناطق الغربية من طرابلس . وخلال الاجتماع اقترح (أحمد الكوافي) نائب صفي الدين في بني وليد تصفية رمضان السويحلي لكن غالبية الزعماء الطرابلسيين لم يوافقوا على ذلك الاقتراح بل قرّروا أن يستوضحوا ظروف النزاع من رمضان السيحلي نفسه. وقد أعلن هذا الأخير موافقته على إمدادات قوات صفي الدين بالتموين في النضال الموحّد ضد العدو المشترك . وقد رفض صفي الدين بقبول هذا الشرط، وأصر على المطالبة بتنحية رمضان السويحلي . وإذ ذاك استغل رمضان عودة زعماء القبائل إلى منازلهم، وكان أول من جرّد سلاحه (يعني سحب الأقسام بلغة عساكرالمقبور)، لكن صفي الدين تمكن من الاختفاء، أما أحمد الكوافي صاحب اقتراح تصفية رمضان السويحلي فقد ألقي القبض عليه في بني ليد وتم اعدامه وتبع ذلك طرد السنوسيين كافة من إقليم طرابلس .
وفي شهر فبراير 1916 وصل صفي الدين إلى (سرت)، وعلى هذه الصورة انتهت نتائج تصرفات السنوسيين وتصرفات رمضان السويحلي، كل هذا كان من ثمار انتصارات معركة القرضابية، وسوء استغلالها من الجانبين السويحلي والسنوسي ومن والاهما .
غير أنه من الممكن تفسير إخفاق السنوسيين إلى حد كبير لكون طرابلس من الناحية الاقتصادية منطقة أكثر تقدماً (مقارنة مع برقة) وكان غالبية سكانها من الحضر (كما جاء في كتاب : ليبيا العربية كأنك تعيش فيها – تأليف الأستاذ ممدوح حقي – 1962 – القاهرة – ص 70) وكان فيها كثير من أهالي المدن، من أنصار الإسلام (الرسمي)، وكان أهل طرابلس المتمدينون أعلى ثقافة، ولذلك كان نمط التفكير البدوي غريباً عليهم، وأخيراً فإن مدينة طرابلس كانت مركز الوالي، فكانت هي التي تصدر القرارات إلى جميع الأمصار، ومنها كان يُوجّه الموظفون إلى الخدمة في المراكز العسكرية والإدارية، فكان الطرابلسيون حريصين على القيادة، ولم يكونوا راغبين في التنازل عنها، وبالإضافة إلى هذا، فإن الصدام المسلح بين السويحلي وصفي الدين، بدّد الأسطورة القائلة بمناعة العسكرية السنوسية ضد الهزيمة لادعائها بأنها محميّة بقوة (البركة) (حسب ما يفكّر ويعتقد السيد ممدوح حقي في الصفحة 79 من كتابه المنوّه عنه أعلاه) وأنا، كاتب هذا المقال لا أوافقه الرأي في هذه الجزئية، إذ كان الأجدر بالأستاذ ممدوح أن يستبدل عبارة بقوة البركة، بعبارة : بقوة الإرادة والعزيمة والإيمان في النضال بالكفاح ضد المحتل الغازي الكافر لأراضي المؤمنين وقول الله تعالى : ﴿ وكان حقاً علينا نصر المؤمنين (الروم ،  آية :  30)
انتهى تعليق الكاتب .
أدت العمليات العدائية بين الطرابلسيين والبرقاويين إلى إضعاف التعاون المتبادل بينهما في النضال ضد (الامبرياليين) . وفي سنة 1915 كان على أحمد الشريف أن يختار بين أمرين : أن يركّز جميع قواته إما من أجل القيام بهجوم على مصر أو للنضال ضد الاحتلال الإيطالي .
أما الحياد الذي طالب به الانجليز . فكان من شأنه أن يبقى مصر مصدراً لتموين ليبيا بالمواد الغذائية والمصنعة – بينما كان دعم تركيا يبشّر ليبيا بإمكانية الحصول على إستقلال نسبي أو ذاتي وبالتحرّر من الإحتلال الإيطالي الشامل . وبكلمة أخرى فقد وقع أحمد الشريف في شراك معقدة إلى حدّ كبير ولم تسعفه مسيرة الأحداث ولا التوزع النهائي للقوى المتصارعة (في مايو سنة 1915 دخلت إيطاليا الحرب إلى جانب دول الائتلاف، بينما كانت تركيا ما تزال تخوض الحرب إلى جانب دول الحلف الثلاثي) فلم تسعف الأحداث أحمد الشريف والوضع كما هو عليه الآن بالقدرة على الحسم فآثر الإحجام على اتخاذ أي قرار . 
ويورد الدكتور محمد فؤاد شكري في كتابه (السنوسية دين ودولة – دار الفكر العربي – 1948 – ص 167) – يورد حديثاً لأحمد الشريف مع الضابط المصري محمد صالح حرب، وفيه يصارح بعلاقته بالانجليز والأتراك .
فقال السيد أحمد الشريف :
(إن الأتراك إنما يريدون أن يورطوه في حرب مع الانجليز قبل أن يستعد لها الاستعداد الكافي، أنه لا يمالئ الانجليز (محبة فيهم أو تقرّباً منهم) ولكن مصر هي (الباب الوحيد المفتوح) الذي تأتينا منه الأرزاق والأقوات التي نستطيع بفضلها متابعة القتال ضد الطليان، فإذا أقفل هذا الباب تحرّج موقفنا، وإننا، يتابع أحمد الشريف القول، لم نستدع الأتراك إلى ليبيا إلا ليجلبوا معهم الإمدادات الكافية والتي يكون فيها الغني عن ذلك الباب المفتوح، ولكن هؤلاء حضروا وليس معهم أية إمدادات أو أرزاق أو مال، ومع ذلك فهم يطالبوننا كل يوم بالقيام بحركة يلحّون بهذا الطلب، مع العلم أن بدء الحركة قبل أن يحين الوقت الملائم لذلك يعود بالشرّ والوبال على الجميع) (وكانت هذه الظروف هي نفسها التي حتمت على إدريس السنوسي توقيع إتفاقيتي الزويتينة وعكرمه مع الإيطاليين ورفض المجاهدين لذلك ومن ثم سفر إدريس إلى مصر) .
ويختتم السيد أحمد الشريف قوله : (أنني أصرّح بأنه لا سلاح ولا ذخيرة ولا مال ولا أرزاق كافية لدينا، وأنه ليس في نيتي أن أحارب الإنجليز) . ولم يكن نوري بك، وهو شقيق الضابط التركي أنور باشا، ولا الأتراك ولا الألمان يضيّعون فرصة ولا يدخرون وسيلة من أجل استمالة مشاعرهم الدينية بمهارة، يساعدهم في ذلك أن تركيا كانت لا تزال قوية النفوذ في برقة.  
     ؛؛؛؛ وإلى اللقاء في الحلقة القادمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق