الاثنين، 13 أغسطس 2012

تابع حلقات مراحل من المؤامرة الكبرى ضد ليبيا (1914 – 1923)


تابع حلقات مراحل من المؤامرة الكبرى
ضد ليبيا (19141923)
الحلقة الثالثة                                بقلم : إبراهيم السنوسي أمنينه                                                                                                                               
11-8-2012  
وصلنا في الحلقة السابقة إلى التحاق الإيطاليين، عندما تقدمت المباحثات بالممثلين الانجليز ودارت المرحلة الأولى منها في (الزويتينة) على شاطئ البحر على بعد 18 كيلومتر من اجدابيا عاصمة إقليم برقة الذي حصل على استقلاله يوم 1/6/1949 .
ونـواصــل :
وقد استمع الإيطاليون إلى مطالب السيد إدريس وكان عليهم أن يستشيرا حكوماتهم فيها . والواقع أن تلك المطالب كانت متواضعة إذا ما أخذنا في الاعتبار متاعب إيطاليا العسكرية في أوروبا، ولذلك يمكن القول بأن هدنة (عكرمة) التي انتهت إليها تلك المباحثات دلّت على روح الاستسلام التي بدأ بها السيد إدريس السنوسي حكمه . كان السيد إدريس بين شقيّ الرّحى أي الانجليز والطليان، إذ كان السيد أحمد الشريف مع ضباط أتراك وجنود سنوسيين يحاربون الانجليز على الحدود المصرية ووصلوا إلى سيدي مطروح، فمنع الانجليز خروج أي تموين ووصوله إلى ليبيا، فانتشرت المجاعة الكارثية التي تسببت في موت الكثير من السكان (شرقي البلاد)،(ويحكى أن هناك أمرأة اضطرت أن تأكل رضيعها بعد غليه على النار وتقدمه لتأكله عائلتها وبقية أبنائها من فرط قرص الجوع . وكذلك يُروى أن الأوبئة مثل الطاعون إنتشرت بسبب الجثث الملقاة في شوارع إجدابيا بسبب تلك المجاعة) ، وكذلك احتجاج الشعب على سياسة المهادنة للإنجليز والطليان التي ينتهجها السيد إدريس وذلك طبقاً لمباحثات الزويتينة التي انبثقت عنها (هدنة عكرمة) التي عقدت عام 1917 ونصت على رغبة الفريقين في إيقاف القتال ولتحقيق ذلك وضعت شروطها موضع التنفيذ، وتلك الشروط كانت مقيّدة للسنوسيين مع سماح إيطاليا بتناول التجارة بين الداخل وثلاث من المواني الليبية مثل طبرق ودرنة بنغازي مؤقتاً .
ذلك مع وجوب حلّ الأدوار يعني (المعسكرات السنوسية) وتسريح الجنود الموجودين فيها، كذلك تجريد عساكر السنوسية أي القبائل من السلاح تدريجياً .
أما بالنسبة لبريطانيا والمصريين والتابعين لدول الحلفاء، فأنه يجب تسليم جميع الرعايا التابعة لهم، وأن يخرج جميع المسلمين السنوسيين من مصر، وأن تفتح طريق السلّوم – الإسكندرية . والذي يمكن أن نخلص إليه من هذه المفاوضات هو أن إيطاليا كانت تحاول الحصول على امتيازات سياسية بينما كانت بريطانيا يهمها فقط أن تؤمن الحدود المصرية الغربية . 
وإذا كانت القبائل في برقة قد وجدت في السيد إدريس السنوسي زعيماً سياسياً ودينياً فكيف ينتظم أهل طرابلس في إطار حكومة وطنية – حتى لو كان ذلك بناء على اتفاقية ما تنظم العلاقات بينها بين إيطاليا .
إن مجتمع طرابلس لا يتكون فقط من القبائل، بل يحتل فيه أهل المدن مكانة رئيسية وكثير منهم مولّد من الأتراك والعرب البربر . وقد تأثروا بالتيارات الفكرية المعاصرة، لذلك فقد فكّر أربعة من زعماء هذه الطبقة في إقامة حكومة جمهورية، ولو أن تصورهم للنظام الجمهوري كان بدائياً متخلفاً إلى حدّ ما . فقد قُسّمت المناطق غير المحتلة (أي التي تقع إلى الداخل وليست على الساحل)، إلى أربع مناطق ينفرد كل زعيم من الزعماء الأربعة بإدارة واحدة منها – فالسيد سليمان الباروني يدير منطقة الجبل، ورمضان شتيوي السويحلي يختص بمنطقة مصراته، والسيد أحمد المريض في ترهونة، السيد عبد النبي بالخير له منطقة ورفلّة .
وعندما أعلنت هذه الجمهورية الطرابلسية في نوفمبر عام 1918، وفور إعلانها طلبت إلى الدول الغربية الكبرى الاعتراف بها وهي بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا، وضمّنت إشارة إلى مبادئ ولسون Wilson Doctrine ما تنص عليه من حق الشعوب في تقرير المصير، لم تمانع في أن يكون لإيطاليا بعض الامتيازات السياسية والاقتصادية في طرابلس .
وقد جاءت هذه الدعوة إستجابة في بعض الدوائر الإيطالية، وإن لم يتم إتفاق حول طبيعة العلاقات بين الحكومة الطرابلسية في مصراته وبين الاحتلال الإيطالي . ذلك لأن الاشتراكيين في إيطاليا أبدوا استعداداً لأمانة حكومة وطنية في إطار السيادة الإيطالية (يعني حكم ذاتي) – نذكـّر بعنوان هذه السلسلة من المقالات وهو :
(حلقات ومراحل من المؤامرة الكبرى ضد ليبيا 1914-1923 ، وهذه بداية تلك المؤامرة وقد بدأت من الداخل، وذلك بالإشارة إلى مبدأ ولسون الاستعماري وإمكانية استعماله بحجّة حق الشعب في تقرير المصير) . 
وكانت الحكومة الإيطالية قد عهدت بتنفيذ السياسة الجديدة إلى شخص يدعى Martino جاكومو مارتينو، وهو الخبير بالشئون المالية وقد عاش في البلاد من 1907 أي منذ قبل الاحتلال بأربع سنوات . وكانت خطته الرامية إلى إبقاء الإدارة السنوسية في برقة الجمهورية في طرابلس تستهدف التخفيف من أعباء الاحتلال المالية والعسكرية، وهذا هو مغزى الحكم غير المباشر الذي اتبّع في أقطار أخرى في أفريقيا، وقد طبقته بريطانيا مثلاً في نيجيريا . ونظراً لأن ليبيا قطعت شوطاً من التطوّر بحكم اتصالها بأجزاء من الوطن العربي، فإن الحكم غير المباشر اتخذ هنا صورة تختلف عن النظام الذي اتبعه الانجليز في نيجيريا .
وفي أكتوبر 1919 أصدرت حكومة إيطاليا قانوناً أساسياً لكل من برقة وطرابلس يتضمن إقامة مجلس نيابي يختص بالنظر في شئون الضرائب، وحيث لا مجال هنا لإيراد تفاصيل ومواد وبنود هذا القانون . إلا أنه يشير بل ويرسخ مبدأ التسليم بالسيادة الإيطالية صراحة وليس ضمناً!!
وبينما كانت المعارض ترفع صوتها في طرابلس ضد هذا القانون، عقد إدريس السنوسي اتفاقية الرجمة في 25 أكتوبر 1920 والتي تعدّ تدعيماً للقانون الأساسي في برقة، وقد قام بصياغة تلك الاتفاقية "جياكومو مارتينو، الذي تحدثنا عنه آنفاً والمتحمّس لسياسة الحكم غير المباشر .

         ؛؛؛؛ وإلى اللقاء في الحلقة القادمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق