الخميس، 6 سبتمبر 2012

تابع المؤامرة العالمية الكبرى ضد ليبيا خلال الأعوام من 1914- 1923


تابع المؤامرة العالمية الكبرى ضد ليبيا
خلال الأعوام من 1914- 1923
29-8-2012                                    بقلم : إبراهيم السنوسي أمنينه                                                                                                                               
الحلقة العاشرة                
أما المناهضة للحرب مع المصريين على الحدود الغربية مع مصر، فكان إدريس السنوسي والمقربون إليه . فقد عرف الإنجليز كيف يستميلون إليهم إدريس الشاب تساعدهم على ذلك المشاعر المناوئة للأتراك في البلدان العربية التي زارها في نهاية 1913 خلال رحلة الحج .
كتب بريتشارد ما نصه (في فبراير 1915 استقبل أي إدريس السنوسي – استقبالاً ودياً من قبل اللورد كيتشنر وأركانه في القاهرة كما قام بزيارة القائد الأعلى للجيش في مصر، ومن الواضح أن إدريس قد أفهم السلطات البريطانية بأن نظرته إلى واقع الأمور تختلف اختلافاً كلياً عن نظرات ابن عمه أحمد الشريف . ومنذ ذلك الوقت صار الانجليز يقفون إلى جانبه في مطالبته بالقيادة في برقة . ويشير بريتشار إلى أن إدريس السنوسي قد اتخذ في القاهرة أصدقاء له بين الانجليز ونشأت فيما بينهم روابط الثقة المتبادلة . وفي نهاية الشهر – فبراير 1915 غادر إلى السلوم في باخرة خفر شواطئ والتحق بالسيد أحمد الشريف في مكان اسمه (امساعد) في شرقي ليبيا) من كتاب (السنوسيون في برقة – تأليف ايفانز بريتشارد – مكاتبة الفرجاني طرابلس 1948، ص 213-214 ترجمة إلى العربية : عمر الديراوي أبو حجلة) .
أما بالنسبة لأحمد الشريف فإنه من خلال رغبته في الابتعاد عن حرب انجلترا اتجّه إلى إغراق نفسه في القضايا الإدارية التي كانت تتطلب الحل منذ زمن بعيد .
فعند بداية الحرب العالمية الأولى كانت برقة قد انشطرت من الناحية العملية إلى شطرين، ولم تكن هناك قيادة إدارية متركزة .
فالإدارة العسكرية الإيطالية كانت في المدن الساحلية والنقاط العسكرية المأهولة بالسكان، بينما كانت النقاط الداخلية من البلاد تحت إشراف السنوسيين .
فقد قام أحمد الشريف بتقسيم البلاد إلى مجموعة من المناطق، وضع على رأس كل منها واحداً من أفراد الأسرة السنوسية، فتسلم إدريس السنوسي إدارة الجبل الأخضر وتسلم محمد عبيد فزان والقبلة أي الجزء الجنوبي من طرابلس، أما أحمد الشريف نفسه فبقي في برقة التي صار مركزها الجغبوب وأرسل أخاه صفي الدين إلى منطقة طرابلس ليقود فيها النضال ضد الطليان. 
وكان أحمد الشريف يقدّر أنه بتقسيم البلاد إلى مقاطعات إدارية سيسهّل بذلك ترسيخ سلطته وبسطها على ليبيا بأسرها .
إلا أن انعدام وسائل المواصلات الضرورية سرعان ما انتهى إلى تخصّص هذه المناطق المنفصلة وتحوّل زعمائها إلى حكام إقطاعيين مستقلين، لذلك فإنه على أثر تسلّم السيد إدريس حق إدارة المنطقة المهمة التي كان مركزها أجدابيا جمع معه وحوله زعماء من السنوسيين المخلصين له، وبدأ بتطبيق نظامه الخاص وقد نجح في ضمان أمن التنقل على الطرق وبالتالي في تطوير التجارة . وإزاء ذلك الوضع المعقد، فإن أحمد الشريف لم يكن قادراً على مراقبة الوضع في الجيش، بينما تمكن الأتراك من تأجيج المشاعر المعادية للانجليز بين الليبيين. وكان ذلك كله يتضمن خطورة جدّية إذ استطاع الأتراك (نوري بك وجعفر العسكري) الضغط على أحد أفراد الأسرة السنوسية وهو (خليل السنوسي) ونظموا بمساعدته عدداً من الاشتباكات على الحدود المصرية . كما كانت الوحدات السنوسية تغيرعلى الأراضي المصرية بحجة جمع الضرائب أو الرسوم الجمركية من القبائل المتوجهة إلى الجغبوب . وراح خليل السنوسي هذا يدعو في زوايا مصر بين الأعضاء السنوسيين من أجل إقناعهم ببدء الجهاد ضد الكفار ليضعوا أحمد الشريف أمام الأمر الواقع .
وكان نوري بك يشكو في رسائله إلى شقيقه أنور باشا بصورة دائمة من أحمد الشريف لأنه لا يوافق على مخططات الأتراك، وأنه يساند الانجليز بصورة سرّية، وكان أنور باشا بدوره يطالب أحمد الشريف بألا يتّلكأ في الهجوم على مصر . ولم يكتف نوري بك بتقديم الشكاوي إلى استانبول بل وجّه رجاله إلى مصر حيث راحوا يشيعون بأن أحمد الشريف ينوي إقامة العلاقات الوّدية مع الانجليز بينما تبذل تركيا كل جهودها لكي تخرجهم من مصر .
وما هي إلا فترة قصيرة حتى صار أحمد الشريف يتلقى أعداداً من الرسائل التي تعبّر عن قلق الأوساط المصرية المعينة من موقفه من الانجليز . وفي نهاية المطاف وجد نفسه وقد جُرَّ إلى الحرب مع الانجليز .
وبدأت الأحداث تتوالى بصورة محمومة بعد أن نقل نوري بك إلى أحمد الشريف أن الضابط الانجليزي رويال Royal (نائب رئيس الحدود الغربية لمصر) قد بدأ نشاطاً تجسسّياً في المعسكرات الحربية في السلوم واقترح إلقاء القبض عليه . وقد كان أحمد الشريف مضطراً إلى الموافقة، وقام نوري بك شخصياً بإملاء نص الأمر على أمين سرّه، ثم أصدر أمره بالزحف على السلوم، وهذا في الوقت الذي كان الشطر الشرقي من السلّوم في أيدي المصريين وكان شطرها الغربي أرضاً برقاوية .
وبغية التضليل الإخباري للانجليز قام نوري بك برشوة الكشافة الانجليز الذين وافقوا على التصريح بأن أحمد الشريف اتخذ قراراً نهائياً بالبدء خلال يومين بالهجوم وأنه يقوم لهذه الغاية بنقل الجيوش عبر الحدود وانتهت تحركات المدفعيين الأتراك التي أخذت تجري في معسكر السنوسية إلى إقناع SEBNO CYCIL SNOW بأن هذه المعلومات تطابق الواقع، فاتخذ الأخير قراراً بالانسحاب من السلّوم إلى مرسى مطروح . ولم تسفر محاولات أحمد الشريف للاتصال مع SEBNO وتوضيح الأمور عن أية نتيجة، ورغم كل ذلك فإن مستشاري أحمد الشريف كانوا يحاولون إقناعه بالانضمام إلى الحملة العسكرية ضد الانجليز لكي يقطع الإشاعات المنتشرة والتي تزعم بأنه مأجور من قبلهم . وفي ذلك الوقت كان معظم الجيش قد وقف في صف نوري بك . فبدأ المناصرون للأتراك بإطلاق النار على القوافل التجارية التي كانت تنقل المواد الصناعية والغذائية إلى السلّوم وفي الوقت نفسه وصلت إلى الخليج غواصتان ألمانيتان مشحونتان بالجند والأسلحة وقد أفرغتا حمولتيهما في قرية البردى وقامت إحداهما بإغراق باخرتين تجاريتين للانجليز بالقرب من السلّوم، وألقى السنوسيون القبض على البحارة الانجليز وأرسلوهم إلى زاوية (القريات) البعيدة، وأقنع ذلك كله أحمد الشريف بأن جهوده التي كان يبذلها لتفادي الحرب، ضاعت سدى .
وبعد انسحاب الانجليز من السلّوم إلى مرسى مطروح سارعوا إلى تشكيل جيش قوامه 30 ألف مقاتل وقامت القيادة الانجليزية بتحذير نوري بك بأنهم سيكونون مضطرين إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة إذا ما أقدمت الجيوش السنوسية على التحرك شرقي سيدي البراني .
ويقول د. محمد فؤاد شكري في الصفحة 172 من كتابه (السنوسية دين ودولة – دار الفكر العربي 1948) ما يلي :
ولكي يؤخر أحمد الشريف من موعد نشوب الحملة العسكرية أرسل جعفر العسكري إلى الخطوط الأمامية، ولكن بدلاً من أن يقوم هذا بتنفيذ المهمة التي أرسل من أجلها، فإنه قام بتنظيم هجمات ضد الانجليز . وبعد ذلك وجد أحمد الشريف نفسه مضطراً إلى التصريح لنوري بك بما يلي : (ها أنذا حاضر للمسير فلا تقدر أن تقول أن العائق كان مني وإنما إذا فشلت هذه الحملة فلا أكون أنا المسئول) .
وفي أشد اللحظات توتراً اتخذ المصري محمد صالح حرب حاكم مرسى مطروح قراره بإعلان الجهاد ضد الانجليز، ولم يكن، عند بدئه للهجوم، يعقد الآمال على جنوده وضباطه فحسب، بل وعلى انتفاضة قبيلة أولاد (علي) والتي كانت تعيش على الحدود الشمالية الغربية والتي كانت قد أجلتها قبيلة العبيدات، أبناء عمومتهم عن ليبيا أيام حكم القرماني منذ حوالي قرنين من الزمان .
               ؛؛؛؛ وإلى اللقاء في الحلقة القادمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق