الأحد، 9 سبتمبر 2012

الطموحات التوسعية القاتلة للقذافي الحلقة الثالثة



الطموحات التوسعية القاتلة للقذافي
9-9-2012                                          بقلم : إبراهيم السنوسي أمنينه                                                                                                                               
الحلقة الثالثة
وكان التصاهر واحداً من مظاهر التقارب الديموغرافي بين البلدين، فرئيس تشاد في إحدى المراحل حسين هبري والدته ليبية وهي من قبائل القرعان وكان والده يسكن في قرية بنينه في نواحي بنغازي وهو معروف للجميع هناك .
وكذلك اللواء مسعود عبد الحفيظ القذافي كان متزوجاً من شقيقة رئيس آخر لتشاد وهو كوكوني واداي .
عوامل المصاهرة والقربى كانت قد دفعت الملك إدريس لأن يرعى قادة تشاد المسلمين خاصة من أتباع السنوسية ، وأن يفتح لهم مكاتب تسجيل مدني في وزارة الداخلية شأنهم شأن باقي الليبيين، ليحصلوا على مساعدات إنسانية من دواء وغذاء وكي يلحق أبناؤهم بالمدارس الليبية، حتى إذا جاءت فرصة طرح قضية الحدود بين ليبيا وتشاد أمام الأمم المتحدة وجرى استفتاء حول حق السكان في اختيار وطنهم – اختار التشاديون في شمال البلاد (أي جنوب ليبيا) الانضمام إلى ليبيا، وهؤلاء بحكم انتماءاتهم القبلية والدينية سيختارون الهوية الليبية فتنتهي تلقائياً مشكلة هوّية جنوبي ليبيا شمالي تشاد .
ولذلك لم يمانع الملك السابق رحمه الله بعقد اتفاقية مع تشاد يتنازل فيها عن الإقليم الجنوبي (جغرافياً) وهو يعتقد أن استعادته بشرياً هي مسألة ممكنة كما أشرنا أعلاه .
فإذا كان هذا خط الملك السابق في التعامل مع تشاد، فإن قيادة الانقلاب على الملك السابق افتتحت خطاً مختلفاً تماماً مع الجارة الجنوبية، منطلقة من مفهوم (ثوري) وأنا اسمّيه (فوضوي) متخذاً الموقف من تشاد من منطلق الكرامة الوطنية !! واسترداد الأرض التي (فرّط) فيها الملك السابق كما كان القذافي يروّج !! وواضح أن ذلك من منطلق خلق مشكلة لم تكن موجودة وتمويل حلها بدماء وأموال الشعب الليبي . كان رئيس جمهورية تشاد ذات الأغلبية الإسلامية هو المسيحي (فرنسوا تومبلباي)، الذي كان يقيم علاقات جيدة مع فرنسا، باعتبار بلده مستعمرة فرنسية سابقة وهو ابن ثقافتها وكنسيتها (ورغم علمانية فرنسا كدولة) . 
مع هذا فإن القذافي بدأ طريق المفاوضة مع هذا الرئيس المسيحي عارضاً أمامه الوثائق التي تثبت (ليبية) المناطق المتنازع عليها بين الدولتين، بما يناقض الاتفاقية التي عقدها الملك إدريس مع تشاد بالتنازل عن الحدود في العام 1955 .
وهنا أظهر الرئيس تومبلباي قناعته للقذافي (بليبية) المناطق الشمالية ومنها إقليم (أوزو)، غير أنه قال كرئيس مسيحي لا يستطيع أن يوقع اتفاقية تتنازل فيها تشاد عن أرض متنازع عليها لليبيا، ولذا يجب أن يشاركه في ذلك التوقيع زعيم تشادي سكون مسلماً كي يبدو أن التشاديين كلهم (مسلمون ومسيحيون) مع هذه الاتفاقية .
وبالفعل فقد شارك تومبلباي رئيس الجمهورية – رئيس مجلس النواب التشادي المسلم في التوقيع على هذه الاتفاقية، وفي ثناياها أن تقدم ليبيا لتشاد مساعدات مالية بمبلغ مائة مليون دولار تدفع على عشر سنوات تصرف على مشاريع تنموية وخدماتية وإقامة مدارس وبناء مساجد .
إذاً وُقعت الاتفاقية بالأحرف الأولى ONLY INITALLED يعني إعلان أو اتفاق نوايا، وقد وضع الرئيس تومبلباي مسمار جحا في تلك الاتفاقية، وهي ربطها باتفاقيات مشابهة لتعديل الحدود تعقدها ليبيا مع كل من الدول الواقعة في الغرب منها والجنوب وتحديداً هي : النيجر والجزائر وتونس .
إذاً ، وفي عهد (هاماني ديوري) تفاوض القذافي تحت عنوان (تعديل الحدود) وكان القذافي يقدم مساعدات مالية لا حدود لها (لديوري)، فوافق هذا الأخير دون تردّد . وفرنسا من ناحيتها وهي الدولة الاستعمارية السابقة لهذين البلدين وغيرهما في أفريقيا جنوبي الصحراء، دبّرت انقلابين عسكريين خلال شهر من اتفاق ليبيا مع كل من تشاد والنيجر فخلعت كلاً الرئيسين في تشاد والنيجر، فأسقط في يد القذافي، وراح إلى الخط العسكري المباشر حيث فتح معسكراته ومخازنه لجماعات معارضة للنظام الجديد في تشاد للبدء في حرب تحرير شعبية كما قال إعلامه ، وبدأت حرب لتستمر لسنوات، ولتستنزف خزانة وشعب وعرق ليبيا كلها .
كان (كوكوني واداي) هو الأقرب إلى ليبيا دينياً واجتماعياً وسياسياً، وأهله كلهم في ليبيا فسانده القذافي بكل الوسائل حتى دخل إنجامينا منتصراً .
ونتج عن تسلم كوكوني هذا للسلطة في تشاد عقد اتفاقية اتحاد ثنائي بين الدولتين، وهذا الاتفاق تحدث عن إقليم (أوزو) أرضاً ليبية .
وكان على ليبيا تقديم الوثائق المحفوظة منذ العهد التركي، إلى الأمم المتحدة ليعاد إلى تثبيتها وشرعيتها كي تصبح أرضاً ليبية كما هي فعلاً . غير أن الفوضى التي كانت تسود في ليبيا في العهد القذافي أضاعت الوثائق التي تثبت هوية أوزو الليبية !!! وجاء نقل الوثائق الخاصة بالدولة الليبية ومحفوظاتها من طرابلس العاصمة إلى سرت !!! التي حوّلها القذافي من مدينة تحت المستوى العادي إلى عاصمة حقيقية لليبيا حيث قبيلته ومعقله وجحافل أجهزته الأمنية والعسكرية، ليضيع على ليبيا وثائق لا حصر لها، فيها من بين ما فيها ما يثبت ليبية إقليم أوزو.
ولذا كان سهلاً عندما يتغير الوضع في تشاد أن تصبح هوية إقليم أوزو في مهب الريح مرة أخرى .
             
      ؛؛؛؛ وإلى اللقاء في الحلقة القادمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق