الاثنين، 7 مايو 2012

رحلة السيد المستشار إلى الجزائر !


رحلة السيد المستشار إلى الجزائر دولة البوار
ترى ماذا كان الغرض من الرحلة وماذا جرى خلالها ؟
                        29-4-2012                                      بقلم إبراهيم السنوسي أمنينه


إنه لمن السذاجة أن يعتقد الليبيون الطيبون أن هذه الزيارة لدولة البوار سيّئة الجوار ، الأسبوع الماضي ، "هي لتحسين العلاقات بين البلدين (الشقيقين) وتقوية أواصر الصداقة والجوار وتعميقها وتطويرها في سبيل تنمية اقتصاد البلدين تجارة وصناعة ، وكذلك الإتفاق على الخطط الأمنية الفاعلة لحراسة الحدود لحماية البلدين" .
هذا النص هو من النصوص التقليدية الدبلوماسية الموجودة عادةً في أرشيف وزارة الخارجية في أي بلد عربي وكذلك نجده في نشرات أخبار أي دولة للاستهلاك المحلّي تحت عنوان بلاغ رسمي مشترك "Communique" ونجد مثل هذا النص في الأقراص المدمجة في أرشيف الإذاعات العربية . غير أن صاحبنا المستشار قال "إتفقنا نحن والسيد الرئيس بوتفليقة على ألاّ يصدر عن عائلة القذافي المتواجدة بالجزائر ما يقلق النظام الجديد في ليبيا ، وأن الحدود الليبية شاسعة وتتطلب حمايتها الكثير من الجهد والمال" .


إنه بالرغم من أن هذا الكلام هو تحصيل حاصل وتفسير للماء بعد الجهد بالماء وتمخّض الجبل فولد جرذاً ، إلا أن الغموض يكتنف هذا البلاغ المشترك حيث المفاهيم المسطّحة والمعاني المجردة وغير المحدّدة .
إذن : فلم يكن الغرض مناقشة العلاقات بين البلدين والمواضيع العالقة والاتفاقيات ، لأنه لو كان الأمر كذلك لكان البلاغ أكثر تحديداً وتفصيلاً ، وليس بالإشارة المجردة والموجزة المبهمة (مثل الحدود الشاسعة والتي تتطلب الجهد والمال الكثيرين) ومثل (سوف نحرص على ألا يصدر عن عائلة القذافي المتواجدين على أرض الجزائر ما يقلق النظام الجديد في ليبيا) لقد حرص مُنشئ البلاغ على أن يكون النص فضفاضاً في حدود الدبلوماسية مراعياً للّياقة وللّباقة ، لا يحمّل أي طرف أدنى حدّ من مسئولية أو التزام .
إذن : فلم تكن زيارة صاحب النيافة للجزائر زيارة رسمية ، بل كانت ودّية سياحية لعائلة المقبور ، باعتبار صلة النسب بينه بين الأرملة الأم والأرملة البنت والسيد هانيبعل الذي يعتبر صاحب النيافة من أخواله ، وكذلك ، وهذا هو الأساس ، باعتبار أن الأرملة الأم كانت قد فرضته على المقبور ، باعتبار المصاهرة ، ليتولى حقيبة العدل منذ أكثر من ثلاث سنوات مضت  إذ أنه لا يزال يعترف لها بالجميل ويعتبره ديناً في عنقه ويتمنى لو يرده لها في هذه الظروف ، إذ بعد أن كان مجرد قاضي أحوال شخصية ، ولاعب كرة قدم رقم 6 ، وهو المركز الكروي الذي يطلق عليه الطليان إسم "ماديانو" وكان يشغله المرحوم أحمد البيوندو الضراط في فريق الأهلي – كان هذا هو مركز السيد المستشار الكروي في أحسن الأحوال – أصبح بفضل هذه الأرملة رئيساً انتقالياً لدولة انتقالية في أسوأ الأحوال . إذن : فهي زيارة تفقدية ومجاملاتية للإمبراطورة السابقة "ماري أنطوانيت" لإطلاعها على ما يجري في ليبيا بعد الرحيل ، للتدارس معها بشأن الخطة "ج" وهي (احتواء ثورة 17 فبراير) ، وتوجيهها إلى المسار المتفق عليه سابقاً مع الأسرة ، وكنا قد تناولنا تلك الخطة بالتفصيل في حلقات نشرت على شاشة "مدونة أبجدية الوطن" خلال شهر يناير 2012 بعنوان " ثورة الشك وسيناريو الخيانة " ، وتوجد الآن على مدوّنة الكاتب Herodots17.blogsbot.com وأستطيع الرهان على أن الرئيس الجزائري على علم بنوايا صاحب النيافة وخططه لعودة عائلة (لويس السادس عشر) من المهجر والنيجر كذلك لحكم ليبيا بل ويباركها وذلك لضمان استمرار دفع المعلوم الشهري بالدولار. وفي مقام متّصل وغير منعزل نفيد بأنه من الموثق اليوم أن الرئيس زين العابدين بن علي الرئيس التونسي المخلوع كان يتقاضى مرتباً شهرياً قدره مليون دولار من الإمبراطور المخلوع المقبور إعتباراً من انقلابه على الرئيس  الأسبق الحبيب بورقيبه وتولّيه السلطة في العام 1987 إلى أن ألقى على الشعب التونسي خطابه الأخير بعد عشائه الأخير في يناير 2011 حيث قال : "أنا فهمتكم" وذلك بعد 23 سنة من الحكم . ومن الموثّق أيضاً أن هذا الزين كان ذات يوم يعمل ملحقاً عسكرياً في سفارة تونس بطرابلس حيث استقطبه الطاغية وربط معه على الموقع الالكتروني للخيانة . وإذ نُقل زين العابدين للعمل في سفارة تونس في ألمانيا ثم بولنده لمزاولة نفس التخصّص الأمني أيام محمد مزالي والهادي أنويره عندما كانوا في منصب الوزير الأول وكان ضابط الاتصال بين الطاغية وبن علي هو السفير الليبي في بولنده (حيث كان لزين العابدين عشيقة بولنديه آية في الجمال) وهذا السفير الليبي كان بمثابة حامل الرسائل والأوراق من الطاغية لبن علي وكان حامل الرسائل والتقارير والأخبار من بن علي إلى الطاغية .
وأخيراً جاء القدر بسيدة تونسية لها حظوة عند الرئيس بورقيبه ولها فعل وتأثير السحر عليه وكان أسمها (حسيبة) ، رشحت زين العابدين لبورقيبة ليصبح وزيراً للداخلية الأمن ، ثم بعد زمن يسير أصبح وزيراً أول لدولة تونس .
غير أن بن علي عندما كان يشغل منصب وزير للداخلية والأمن وقبل أن يصبح رئيساً للوزراء – كان قد سهّل للقوات الخاصة (الكوماندوس) الإسرائيلية من فرق الاغتيالات التابعة للموساد الهجوم على مقر سكني لخليل الوزير (أبو جهاد) بتونس وهو القائد بمنظمة التحرير الفلسطينية وقتله في العام 1993 . كان هذا فيما يتعلق بالعلاقات مع تونس وما تربطنا معها من أواصر أما بالنسبة للجزائر فالحكاية تطول .
فبتاريخ 17/11/1909 طلبت فرنسا – التي كانت تسيطر في ذلك الوقت عسكرياً على المناطق الواقعة ما بين خط عرض 28 شمالاً وخط طول 18 شرقاً ، بالإضافة إلى مدن درج وغدامس وسيناون قرب الحدود التونسية والجزائر بكاملها وكذلك تونس ، وذلك قبيل الحرب العالمية الأولى – نقول كانت قد طلبت من الدولة العثمانية تحديد وترسيم الحدود بين ليبيا وتونس ، ووافقت تركيا على ذلك الترسيم في يناير 1910، وذلك حسب وجهة النظر الفرنسية . أما تحديد وترسيم الحدود بين ليبيا والجزائر والسودان فهذه الأماكن ، حسب رأي فرنسا ، مؤهلة لوقوع مشكلات حولها لأنها مواقع صحراوية وغير مأهولة بالسكان ، ولم يكن لها حدود واضحة ، وتحديدها هو الحل الوحيد ، وهي المناطق التي تقع غرباً وجنوباً وهي مناطق ليبية متاخمة للممتلكات الفرنسية (يعني الجزائر الآن) ولذلك طلبت فرنسا رسمياً بمذكرة قدمتها لتركيا في 27/5/1910 بتحديدها وترسميها حسب وجهة نظرها أيضاً ، وبعد ضغط شديد من فرنسا على الباب العالي (تركيا) وافقت الأخيرة على عقد المؤتمر في 11/12/1911 ، أي بعد شهرين من بدء الهجوم الإيطالي على ليبيا واحتلالها .
وعندما حصل استقلال ليبيا في 24 ديسمبر 1951 بأقاليمها الثلاثة برقه وطرابلس وفزان (التي كانت تحتله فرنسا بالكامل) وانسحبت فرنسا من ولاية فزان وتراجعت فإنها توقفت عند الحدود التي رسمتها هي وحدّدتها وهي الحدود الليبية الجزائرية التونسية في اتفاقية وقعتها مع تركيا بتاريخ 11/12/1911 كما أسلفنا ، إذ استولت على أراضي تعتبر ليبية .
والمملكة الليبية المتحدة ، وهي الدولة الفتيّة الحديثة التي لم تكد تتحصل على استقلالها الذي انتزعته بشق الأنفس ، ابتلعت ريقها وعضّت على نواجذها ، واحتفلت باستقلالها المنقوص والمجتزأ من الأطراف الجنوب غربية من ناحية الجزائر وتونس والجنوبية من ناحية تشاد والنيجر ، والشرقية والجنوبية الشرقية من ناحية مصر . وإذ كانت الجزائر في ذلك الزمن لا تزال محتلّة من قبل الدولة التي رسّمت تلك الحدود حسب نظرها ورغبتها ألا وهي فرنسا ، فلم يكن هناك مجال في ذلك التاريخ وهو 1951 ، لمواجهتها أو مفاوضتها ، وكذلك الأمر بالنسبة لتونس التي كانت لا تزال تحتلها فرنسا أيضاً .
عندما انتزعت الجزائر استقلالها بثمن باهظ ألا وهو دماء مليون شهيد من شعبها كان الوقت مناسباً فقط للتهنئة والاحتفال ومشاطرتهم الفرحة بهذا الانتصار ومؤازرتها في مسيرة الاستقلال وليس مطالبتها بحيّز محدود من الأراضي مهما كانت قيمتها وما بها من موارد ، تلك كانت سياسة الإدريس الرشيدة والحكيمة رحمة الله عليه .
كان لابد من هذه المقدمة الطويلة عن تاريخ العلاقات الجزائرية الليبية وخلفية الأراضي المسلوبة غصباً وظلماً ، وما استطعنا حتى التحادث معهم وطرح هذا الموضوع للنقاش ، ففي العهد الملكي كان لنا العذر وحق الجار على الجار وأن الوقت كان غير مناسب للحوار والتفاوض ، أما وقد استولى على البلاد من لا يقيم وزناً لتلك القيم والأخلاق في معاملة الجار الجنب فلا عجب ، فإن هذا المخلوق هو عمل غير صالح مثل ابن نوح عليه السلام ، إذ كان الأدعى خلال هذه العقود الأربعة الماضية أن يفتح باب المفاوضة السلمية لا سيما وأن لديه ما يثبت من خرائط عثمانية موسومة بالختم الرسمي للدولة العثمانية موجودة في أرشيفات السراي الحمراء بطرابلس وكذلك نسخ منها في الأستانة (اسطنبول) تفيد بتبعية ما إجتُزء من الأراضي لنا – هذا لو أراد ، ولكن :
دعوني أروي لكم حكاية جرت أحداثها في العام 1986، بعد الغارة الأمريكية المفتعلة والمفبركة والتي كان المراد منها أمران : (قرصة وذن) وتلميع صورة – وقصف مقر الطاغية وبعض المواقع ، تلك الغارة التي لم تأت أكلها ، بل على العكس استفاد منها الطاغية أكثر مما خسر وربح منها الكثير من تأييد المغفلين شعوباً ورؤساء ومطربين ومدّاحين وشعراء وإعلاميين .
فكرّت الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا في المهجر في تنفيذ عملية انقلاب على الطاغية مستفيدين من الأخطاء السابقة التي حدثت في عملية الهجوم على باب العزيزية في 8/5/1984 والتي أحبطت في المهد ونتج عنها إعدامات ما كانت لتحصل ولكن قدر الله وما شاء فعل .
بعد فشل تلك المحاولة في العام 1984 بزمن يسير استنفرت الجبهة الوطنية لتحرير ليبيا بضع عشرات من الكوادر المدرّبة والمغتربة ووصلوا لبلدة (ورغله) بالجزائر بعد إقامة وجيزة في (بليدة) .
وتقع ورغله على هذه الحدود الجزائرية الليبية وباستطاعة الناظر لجنوب شرقي الجزائر على مسافة 20 كيلومتر ، أن يرى أضواء مدينة غدامس الأثرية السياحية والتي قصفها الطاغية في العام 2011 بصواريخ غراد ودمّر آثارها ومبانيها وأصبحت أثراً بعد عين وكأنها لم تغن بالأمس .
وكان الاستنفار لمجموعة العمل العسكري التي استقرت في معسكر كامل الاستعدادات للتدريب والإعاشة والتنظيم ، أما مجموعة العمل الشعبي التعبوي فقد سبقتهم إلى تونس في قاعدة لا أذكر اسمها ومعهم الحاج غيث سيف النصر وكانت الخطة أن تصل هذه المجموعة إلى هدفها في طرابلس عن طريق البحر ، أما مجموعة العمل العسكري المتمركزة في (ورغله) فهي تقوم بواجبات التدريب في انتظار ساعة الصفر للتحرك إلى طرابلس لتصل هي ومجموعة العمل الشعبي التعبوي في وقت واحد .
وبينما هم في الانتظار وكانوا على وشك الانطلاق للإطاحة بالطاغية جاءهم من الجزائريين الضباط من يبلغهم بأنهم يجب أن يتركوا كل شيء ويستقّلّوا العربات الجاهزة للذهاب إلى الجزائر العاصمة ليقيموا في فنادق محجوزة لهم في انتظار ما يستجد من أوامر .
وبينما هم في بهو الفندق يشاهدون التلفاز فإذا بهم يرون طائرة عسكرية تحط في نفس المكان الذي كانوا يتدربون فيه وهو(ورغله) كما أسلفنا ، حيث هبط الطاغية وكان في استقباله رهط من الناس يقدمون له الورود ! ، ثم ذهبوا به إلى ما يبدو أنه صالة إستقبال للضيوف .
عند ذلك ذهلت تلك الكوادر ، وأسقط في أيديهم واحتاروا وغمرتهم الريبة والخوف والشك فيمن حولهم : هل هي خيانة أم ماذا ؟ إلا أن ضباط الجزائر طمأنوهم بالا يخافوا ولا يحزنوا وأنهم سوف يرّحلون إلى الأمكنة التي جاءوا منها بسلام ، قائلين لهم (نحن الجزائريون لا نخون من استأمنونا مثلما خانكم مليك المغرب) (وفي الصباح يحمد القوم السُّرا) .
وإلى هذه اللحظة لست أدري ماذا حدث ؟ هل عرفت الجبهة كيف اكتشف الطاغية خطتهم  ووجودهم في (ورغله) وما الذي كان يخطط له بحضوره هناك ، وما الذي كان سيفعله ... بالتأكيد لم يحضر إلى هناك ليكللّهم بالغار ويوسّمهم بالأوسمة والنياشين !
ترى من الذي أفشى سّر تلك العملية ، ومن أين أتت الوشاية ، ولماذا استقبلوا الطاغية بالورود  في تلك الصحراء النائية .
هناك في الجزائر قوّتان ورمز واحد .
القوة الأولى : الجنرالات .
القوة الثانية : الاستخبارات العسكرية .
القوة الرمز الثالثة : الرئيس آنذاك وهو الشاذلي بن جديد .
وأنا أستبعد أن يكون المتهم في هذه المؤامرة هو الاستخبارات ذلك لأن ترحيل الكوادر جاء بالاتفاق بين استخبارات الجزائر والاستخبارات الأمريكية (سواء العسكرية أو الـ CIA) وبالنسبة للرئيس بن جديد فإنه كان هو الذي أطلق على الطاغية إسم : "طفل المنطقة الوقح" في التسعينيات The Insolent kid of the region فالعلاقات بينهما غير طيبة ويستبعد أن يكون هو الواشي ،  هذا إذا علمنا أن بن جديد مثله مثل بوتفليقة لا يهش ولا ينش فهو مجرد واجهة .
فلم يبق إلا الجنرالات الذين فعلوا ذلك في مقابل المرتبات الشهرية بالدولار التي كانوا يتقاضونها مثل التي كانت تدفع لزين العابدين ولحسني المخلوع ورئيس مخابراته عمر سليمان  ، والتي هي ما زالت مستمرة وواجبة الدفع للمشير طنطاوي وزمرته من قبل أحمد قذاف الدم لمقاومة ضغوط الحكومة الانتقالية الفاشلة لتسليم أعوان الطاغية .
أم هي جهة استخبارات أخرى فرنسية أم تونسية أم أفريقية ... والله أعلم .
                     ؛؛؛؛ البقية تأتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق