الأربعاء، 9 مايو 2012

المشهد الأخير ( الحلقة الرابعة )

                                       المشهد الأخير                                         خريف ليبيا
 الحلقة الرابعة
              5/5/2012                                               بقلم : إبراهيم السنوسي أمنينه

في الحلقة الثالثة والتي سبقت قلنا أن المطلوب هو نشر الفوضى وعدم توفر الثقة في الثورة وانتشار السلاح واستعماله عشوائياً وذلك ليصبح الطريق ممهداً وسالكاً أمام أزلام القذافي بين ظهرانينا ومن حولنا على الحدود المتاخمة لنا .
نذكر عند تصفحنا بضع صفحات من التاريخ بأنه كان من نتائج الاحتلال الفرنسي أن لجأت قبائل العربان الثائرين في جنوب تونس الذين قاوموا الاحتلال – إلى طرابلس وتوزعت هذه القبائل في الجهات الغربية من  تونس ، وكان لابد من التصدّي لمشاكلها خاصة وأن عدد أفرادها قد جاوز المائتي ألف نسمة .


حدث في ذلك العام-عام 1881- أن أجدبت البلاد أي طرابلس جدباً عظيماً ، وانتشرت المجاعة انتشاراً فظيعاً، وأحضر الدقيق لأول مرة من تركيا لتوزيعه على القبائل التي كان نصيبها من تلك المجاعة النصيب الأكبر عرف ذلك العام بين الناس بعام "الدقيق" . وتاريخ طرابلس يسجّل ظاهرة تكرار سنوات الجدب في البلاد بشكل دوري تقريباً بين سبعة وعشرة سنوات .
اختلّ الأمن اختلالاَ بيّناً في البلاد خلال ذلك العام بسبب تلك الظرف الصعبة من جهة وفساد في الإدارة من جهة أخرى ، فحدثت سرقات كثيرة إتصفت بالجرأة والجسارة ، وكثرت حوادث السلب والنهب ونستدل عليها من إجراء الوالي بإغلاق أبواب المدينة بعد العشاء مباشرة بوقوع اختلال وانفلات الأمن في البلاد وهناك وثيقة تتضمن احتجاجاً على حكومة الولاية (طرابلس) تقدم به قناصل الدول الأجنبية في طرابلس مجتمعين – وهم قناصل النمسا وبلجيكا وأسبانيا وأمريكا وفرسا وبريطانيا العظمى واليونان وإيطاليا وهولندا بسبب سوء حالة الأمن العام في ولاية طرابلس (البربرية) كما كانوا يدعونها ، وبالنظر للسرقات الجريئة والعديدة التي اقترفت في الأوقات الأخيرة، وهذه الوثيقة مؤرخة في 4/5/1881 ، بها اقتراحات بغرض تقوية القانون وتفعيله وتثبيت النظام في طرابلس لكي يقضي على حوادث السرقة والاعتداءات التي تكررت أخيراً، ومن هذه الاقتراحات إزاحة الفاسدين من البوليس والانتظام في دفع مرتبات الأفراد القائمين على الأمن ، وتسجيل زوّار الفنادق في البلاد (وهذه من بوادر التدخل الأجنبي) .
تلك هي الظروف الصعبة التي عاشتها طرابلس في مستهل هذه الفترة قبل تعيين أحمد راسم والياً عليها ومن المتوقع أن يكون السلطان عبد الحميد قد أخذ بعين الاعتبار لتلك الظرف حين اختاره للولاية فقد كان راسم هذا عند صدور فرمان توليته أحد وزراء السلطنة المشهود لهم (بالسياسة والكياسة) قد سبق وأن تعرضنا لهذا الموضوع وعلاقته بإدارة المجلس الانتقالي تحت عنوان "تراجع علوم السياسة وغياب الكياسة في ليبيا" في خمس حلقات خلال النصف الأول من شهر مارس الماضي .
ونورد هنا بعضاً من سيرته الذاتية  C.V، ومؤهلاته :
ولد أحمد راسم في استانبول عام 1825، تلقى تدريبه الابتدائي والعالي في أثينا واتقن من اللغات اليونانية والإيطالية والفرنسية وتقلد أول وظيفة له لدى الباب العالي بقسم الترجمة . في العام 1544 انتقل إلى وزارة الخارجية وأسند إليه حل الكثير من المشاكل السياسية في صالينيك ومناستير وجزيرة سيام . في سنة 1863 عين متصرفاً فوق العادة في مدن بولايات البلقان وفي سنة 1867 تدرج في وظائف والي في عدة ولايات في الدولة العثمانية مثل ألبانيا وطرابزون وديار بكر ثم رجع إلى استانبول بهذا الكمّ المتراكم من الخبرة والعلم ليصبح وزيراً للصحة وعميداً للعاصمة ثم عيّن في طرابلس الغرب والياً عليها في العام 1882 .
عندما عين والياً لولاية طرابلس الغرب كان قسم كبير من هذه المشاكل متصلاً بشكل أو بآخر "بالخطر الأوروبي" الذي شغل الناس بعد احتلال تونس ومصر من قبل فرنسا وبريطانيا العظمى، وبعد أن تكشفت أطماع بعض الدول الأوربية في طرابلس (ألمانيا وإيطاليا وفرنسا) وبدت سافرة وتزايد نشاط القناصل الأوروبية المشبوه ونشاط الرحالة الأجانب المرتبط بهذه الأطماع .
فيما سلف من أسطر كان إقتباساً من وثائق لدار الكتب والمحفوظات بالسرايا الحمراء واستانبول ، لكي تنظروا وتعتبروا من التاريخ فماذا حدث في البلاد في غياب القانون وتفعيل العدالة .
حيث ابتداءً بالسرقة والنهب والسلب بسبب الجدب والمجاعة مروراً باحتلال تخوم الولاية ولاية طرابلس الغرب من الشرق أي مصر بواسطة بريطانيا ومن الغرب بواسطة فرنسا أي تونس ، وانظروا واعتبروا كيف أعاد أحمد راسم الأمن والأمان للبلاد بتفعيل القوانين وفرضها بالقوة بعزل الفاسد من البوليس ومكافأة الجيّد والمخلص منهم بزيادة مرتباتهم لدفعها في مواقيتها ، وتدريب من تنقصه الخبرة وتعليمه . انظروا واعتبرا كيف طمع فينا قناصل الدول الأوروبية وتقدموا محتجين ، ليس ذلك فقط بل مهدّدين منذرين إذا استمر حال البلاد بالفلتان الأمني الذي يهدّد أمنهم وأمن عائلاتهم مقار سكناهم إذا استمر ذلك فلا مناص من فرض الأمن وتحقيق الاستقرار بقوة السلاح (يعني الاحتلال) .
وانظروا واعتبروا الكياسة عند ممارسة السياسة واعتبروا هذا الكمّ المتراكم من الخبرة والتجارب إضافة إلى اللغات الحيّة التي كانت لدى أحمد راسم حين ألجم أفواه القناصل وحجمّهم بالمنطق والعقل ومشاهدة الانجاز على الأرض .
نحن المجلس الوطني الانتقالي باسم الشعب قررنا ما يلي :
لقد ألزمنا الدكتور محمود جبريل ، رئيس المجلس التنفيذي ، الرجل الكفء ذو الخبرة صاحب الشركات المسئولة عن تدريب عناصر الإنتاج على المعرفة Know How والتدريب على تحديد مواقع الخلل سواء في الإدارة أو في الآلات Troubleshooting
ألزمناه وأجبرناه على الاستقالة من أخطر منصب في البلاد، وفرضنا عليه أن يتهم المجلس الانتقالي بالضعف والتفكك، فذهب إلى الخارج لعلّه يجد نفسه هناك، ترك ليبيا في حيص بيص ، كما قتلنا الشهيد اللواء عبد الفتاح يونس لأنه فكّر فقط في إنشاء جيش يحفظ الأمن ويحافظ على التخوم التي احتشد فيها أعداء ليبيا من أزلام وأقليات كانت ملجمة في عهود سابقة .
قتلناه خوفاً من انقلابه على المجلس المنقلب على نفسه والمتفكك ، كذلك أبعدنا كلاً من الدكتور علي العيساوي والدكتور علي الترهوني لأن المجلس لا يريد تكنوقراط ، وكذلك أبعدنا الدكتور علي العلاقي القانوني صاحب العلاقات القوية مع المحاكم الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان ، ثم جئنا برموز ضعيفة تشاهد الكوارث والنوازل وهي تنزل في البلاد وهم يتفرجون عليها كما لو كانت لا تعنيهم . لقد رأينا نماذج من هذه الرموز تشغل رأس هرم السلطة في وزارة الصحة وهي ترقب من بعيد عبر الهواتف ووسائل الميديا عما يحدث في الكفرة وحدودنا مع تشاد ومصر وكأن الأمر لا يعنيها . وكذلك الذي هو على رأس هرم وزارة الدفاع ورئيس أركانه ووزير الداخلية الذي صفع أحد مراسلي إحدى القنوات ، ووزير العدل الذي غيّب العدل بعد أن ترك قاضي عسكري يحكم ببراءة من كانوا يحكمون ويقتلون في عهد مضى – ويقول لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء .. وبالفعل أصبحوا اليوم طلقاء بصحبة المجاهدة دلال في انتظار عودة القطط السمان المتواجدة على تخومنا في الجهات الأصلية الربع حتى تصل ما انقطع من (حبال السوّ اللي طايحين في بير) .
توقيع رئيس المجلس الوطني الانتقالي
ينشر بالجريدة الرسمية
تحريراً في أبريل (وفاة الرسول)

؛؛؛؛؛ وإلى لقاء آخر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق