الأحد، 3 نوفمبر 2013

حكاية الفيل والنملة

حكاية الفيل والنملة
وعلاقتها بسياسة ومؤسسات دولة ليبيا المعاصرة والبرلمان الفاشل
في قبضة الخُوّان المتأسلمين
       مقال من حلقتين            14 سبتمبر 2013     بقلم : إبراهيم السنوسي امنينه
-------------------------------------------------------------------------------------------------------
يتميز حيوان الفيل – ربما لضخامة حجمه – بالقوة والجبروت – مع ضعف ملحوظ في الأداء فهو يفقد السيطرة على أعصابه حين يستثار فيسلّم نفسه بسهولة لعدوه المهاجم فيُقضَى عليه – لذلك فهو يوصف من بين ما يوصف به الغباء العائد بالضرر على نفسه وصاحبه في معظم الأحوال.
وقد جاء الحديث عنه في سورة باسمه في القرآن الكريم تفيد بتساؤل لا يملك المخاطَب، وهو الرسول محمد (صلعم)، له جواباً لأنه ببساطة كان قد وُلد في ذلك العام – عام الفيل، إذ وقعت حادثة الفيل هذه منذ أربعين عاماً خلت، فماذا حدث يا ترى في ذلك العام – أي عام الفيل.
جعل الله سبحانه وتعالى كيدهم، أي أصحاب الفيل، في ضياع وخسران!! وتتلخص قصة الفيل هذه في أن أبرهة ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي أراد أن يصرف الناس عن حج بيت الله إلى كنيسة بناها في صنعاء، فجاء أعرابي وأَحدَثَ فيها – أي في تلك الكنيسة فأقسم النجاشي أن يَهدّ الكعبة تلك انتقاماً!!
فلما وصل النجاشي يجيشه الجرّار الذي يمتطي ظهور الأفيال المزيَّنة والمزركشة، هلك بفعل زرافات من الطيور تحمل حصىً من جهنم مكوناً من طين متحجّر، ويُمسك القرآن الكريم عند ذكر أو تحديد من الذي هلك ومن هو المقذوف بتلك الحجارة التي هي من سجّيل، هل هي الأفيال أم من يمتطيها من جنود؟ وفي كل الأحوال فقد هُزم الجمع شرّ هزيمة وشُرّدوا بواسطة تلك الطيور وبأمر من الله دفاعاً عن البيت الذي هو ربُّه جلَّ وعلا.
هُزم الجمعُ بما كانت تحمله تلك الطيور الضعيفة من حَصَىً من حجارة، بحجمها وضآلتها وقدرتها على حمل تلك الحجارة .. ولا يبعد أن تكون تلك الطيور جراثيم طاعون، إذ لا مانع من تسميتها بالطيور أي الفيروس Virus بلغة عصرنا هذا.
إذن فقد هُزم الفيل وأصحابه لتعود رحلتا الشتاء والصيف إلى اليمن والشام، فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم ورزقهم وطمأن قلوبهم من هذا الخوف.
قال عبد المطّلب بن هاشم، جدّ الرسول (صلعم) مخاطباً أبرهة الحبشي، الذي غزاهم مرة ولم يجد إلا الإبل فساقها إلى اليمن: أريد أن استعيد إبلي فقط، أما البيت فَلَهُ رَبُّ يَحْمِيهِ، فاسْتردّها وقَفَلَ رجعاً إلى مكّة!!
أقول هَزمَ الطائر الضعيف، مهما كانت نوعيته وأصوله، فهو مقارنةً بالفيل الذي يمشي على أربعة قوائم .. ضعيف واهن، هزم هذا الطائر جيشاً من الأفيال .. ويقول الحكيم في هذا الصدد:
أَكَلَ العُقابُ بِقُوةٍ جِيَفَ الفَلاَ  ؛؛؛؛؛؛؛؛ وَجَنَا الذبابُ الشَّهدَ وهو ضعيفٌ
وقال آخر :
لا تُحقّرن المرءَ إن رأيتَ له ؛؛؛؛؛؛؛؛ دمامةَ أو رثاثةَ الحُللِ
فالنحلُ شيءٌ على ضُئولتهِ ؛؛؛؛؛ يَشتار منه الفتى جَني العسلِ
ولمن لا يعرف، فإن الفيل على ثِقل وزنه وغباءه وغياب أشياء أخرى في خَلْقِهِ هو غير مسئول عنها – مثل عدم القدرة على استعمال الشوكة والسّكين لتناول طعامه وتمييز ما هو أمامه، وبدلاً من ذلك فإنه يستعمل خرطومه لالتقاط أي شيء على الأرض بما في ذلك عُلَبُ المشروبات الفارغة ويدخلها في فمه الذي لا يُرى، حيث تتم عملية الفرز للتخلص مما هو ليس بطعام، قبل أن يبتلعها إلى تجويف بطنه!
أقول لمن لا يعرف، وبالرغم من كل هذه السلبيات، فإن الفيل أسرع من الجمل والكنغر، فسبحان الخالق ونعم المبدع!
أما النملة ... فبالرغم من ضآلة حجمها فهي – على عكس الفيل تتميّز بالذكاء والحرص، والتنظيم والعمل الدؤوب، والتحمّل Endurance، ويظهر ذلك جلياً في قدرتها على تنظيم الاصطفاف ورصّ الصفوف للذهاب والإياب في طوابير مصفوفة كطوابير الجيش، في الهجوم أو الانسحاب الآمن والمنظّم، إذ نرى هذه الطوابير في أوبتها تعود وهي مُقلّة محمّلة بما يكفيها من مؤونة وغذاء لتخزينه في مساكنها لفترة الشتاء المقبل حين البيات الشتوي.
وكما ذكرنا الفيل بسلبياته التي خُلقت معه ولا ذنب له في ذلك، فإننا نذكر النملة بإيجابياتها وخصائصها واجتهاداتها فضلاً على ذكرها هي أيضاً في القرآن الكريم:- أن سيدنا سليمان بن داوود عليهما السلام سمع نملة تحضّ فريقها التابع لها من النمل في وادي النمل، وهو يعدُّ بالعشرات أو بمئات الألوف، وتأمره بالعودة والدخول إلى مساكنهم خشية أن يَحْطِمنَّهُم سليمان وجنوده دون قصد منهم أو يشعرون!! أنظروا إلى هذه الأوامر والتحذيرات، بالله عليكم بل وانظروا إلى ذكاء هذه المخلوقة وحرصها على حياة الفريق الذي يتبعها من جنسها من النمل وشعورها بالمسئولية المباشرة بل واتخاذها القرار المناسب في الوقت المناسب لحماية فريقها، فقد قامت بتقدير الموقف، وما يتطلب هذا الموقف من بحث وتقييم ما لديها من إمكانيات وذلك في أسرع وقت من دفع أي ضرر محتمل، وقد تصوّرت، وهي على حق، بأن جنود سليمان عليه السلام يمكن أن يدهسوا هذه القرية من النمل دون أن يشعروا بذلك، قدّرت النملة فأحسنت التقدير، وقامت بتقييم الموقف، ودراسة إمكانياتها المتوفرة لدفع الأضرار المحتملة بأقل الخسائر، وأطلقت العنان لتفكيرها الناضج السويّ الهادئ (على عكس الفيل)، لتصل إلى النتيجة للخروج من ذلك الموقف المتأزم في مواجهة عدوّ قوي وجاهل لا يُعمِلُ العقل بَتَاتاً، وذلك بأقل الخسائر، ولم يأخذها ذلك طويلَ إعمال لفكرها الناضج، إذ ربما – وهذا وارد – أوحى الله اليها بما يتوجّب عليها اتخاذه من قرار.
هذه هي القيادة الذكية الحكيمة الشجاعة للقائد الحريص على حياة شعبه ورعيته ولا أقول جنوده وذلك لكونها ليست في حرب مع الآخرين، وليس لها جنود تابعين محاربين، ولا تملك إلا خارطة طريق مسالمة وكل همّهاً هو توفير الغذاء على مدار العام لرعيتها ودفع الضرر عنها دونما خسائر.
ويُمسك القرآن الكريم في سورة النمل عن ذكر أي شيء يتعلق بتلك النملة التي سمعها سليمان تتحدث لرعيتها وتنصحهم بالدخول إلى مساكنهم للحفاظ على حياتهم – إلا أن سليمان تبسّم ضاحكاً من قولها، وراح يدعو الله أن يجعله محافظاً على شكر نعمته التي تفضّل بها عليه وعلى والديه وأن يعمل صالحاً يرضاه ربّه، وأن يدخله الله برحمته في عبادة الصالحين.
وفي نفس السياق يُروىَ أن نملةً كان لها من التبصّر Insight والحكمة Wisdom ما يفوق حجمها مثل سائر الحشرات من جنسها، وحدث أن دُغلاً - وهو ولد الفيل- بينما كان ماشياً "يتبختر" في طريقه إلى الحقل دهس دون أن يدري قرية من النمل.
إلى اللقاء في الحلقة الثانية والأخيرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق