الاثنين، 23 يوليو 2012

ليبيا تنتخب أم هي تنتحب الحلقة الرابعة


ليبيا تنتخب أم هي تنتحب
الحلقة الرابعة                                          بقلم : إبراهيم السنوسي أمنينه
23-7-2012  
إذاً فلم يترك هذا الدستور شاردة لا واردةً إلا أحصاها وما كان من المجلس الانتقالي إلا أن يصدر قراراً بتفعيل هذا الدستور الذي كان هو الأساس والمظلة ومنبع القوانين وحامي الشعب وكان بمثابة النبراس والمرشد والدليل لكافة المواطنين على الأرض الليبية بمختلف أعراقهم وأديانهم ومعتقداتهم كما ورد في المادة (21) وكما جاء في الفصل الثاني (المادة 11) أنه يتحدث عن حقوق الشعب ويؤكد أن الليبيين لدى القانون سواء ويتساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وفي الإفادة من الفرص ولا يجوز التمييز بينهم في هذه المسائل بسبب الدين أو المذهب أو العنصر أو اللغة، وذلك على مدى ثماني عشرة عاماً أي من شهر ديسمبر 1951 إلى شهر سبتمبر 1969 – عندما (أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون) فألغى الدستور وأوقف العمل بكافة القوانين السائدة من وضعية وإنسانية وحتى سماوية وكان ما كان طيلة اثنتين وأربعين عاماً ونيف . وكان الأولى بالمجلس الانتقالي كما قلنا أن يفعّل ذلك الدستور، بقوته وفي ضوء قوانينه تنتقل الثورة إلى دولة بسرعة البرق، ألم تعم الفوضى والخراب بسرعة البرق فقط بطرقعة أصبع من أصابع الطاغية فكان له ما أراد من شرور ؟ كل ما كان مطلوباً من المجلس الانتقالي بعد سقوط الطاغية هو الإعلان عبر الإذاعات والقنوات يوم 20/10/2011 أي يوم مقتل الطاغية عن عودة الروح للحياة في ليبيا بعودة الدستور وإشاعة الطمأنينة بتفعيل القوانين بتحقيق الآتي :-
- تفعيل القضاء بنفخ الروح في القوانين التي كانت سائدة من العام 1951 إلى 1969 .
- استرجاع السلاح من الثوار بإصدار قانون بذلك .
- إعادة تأسيس الجيش الليبي بإصدار قانون .
- إعادة هيكلة الأمن والشرطة بقانون .
- الشروع في الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية في ضوء الدستور .
- وقبل كل ذلك إعلان حالة الطوارئ وسريان الأحكام العرفية وهذا ما يكلفه الدستور في مادته (رقم 13) و(المادة 36) وكذلك البند رقم (19) من الفصل الثالث، الفرع الأول من اختصاصات الاتحاد الليبي، وكذلك طبقاً للمادة (70) المنوطة بالملك في الفصل الخامس من الدستور تحت عنوان السلطات العامة الاتحادية :- "الملك يعلن الأحكام العرفية وحالة الطوارئ".
وكنا قد كتبنا ونشرنا في المدونة المنوه عنها Herodot17bloqspot.com 4 مقالات بعنوان نظرية تقول بضرورة الثورة نشرت على المدونة .
وأوضحنا في تلك المقالات ضرورة تغوّل الثورة لا لكي تقتل أبناءها ولكن لتحميهم من الإنزلاق والتهوّر وكذلك لتخويف أعداء الثورة في الخارج أو في الداخل مثل الطابور الخامس أو من كان يحمي النظام الذي قامت الثورة بتقويضه . وقلنا لابد من استعمال القوة الخّلاقة للوصول إلى الاستقرار ونشر العدالة وتفعيل القوانين وتحرير القضاء بإطلاق حريته واستقلاله حتى يسود الحق.    
ما مضى من صفحات كان البند رقم (1) من الإجابة على السؤال :
من حرّض وحفّز على قتل هؤلاء الشباب ؟
2- وهو الذي لم يصدر أوامره بتفعيل القضاء، وذلك عن سوء نية وقصد مثلما أوضحنا في الحلقة الأولى، ولغاية في نفس يعقوب . بل وقلص من المسافات بغرض تقزيم عملية الإقتراع بالنسبة لما كان يعرف بالمحافظات والبلديات والناتج هو تقليص حصتها من المقاعد في الانتخابات والثروة وتحجيم السلطة لديها – أيضاً لغاية في نفس يعقوب – وهي قمة الإستبداد والظلم – وكانت هذه السياسة الديموغرافية والجيوسياسية هي ديدن سلطة الطاغية كأنما يتمثل به .
3- هو الذي أنكر حق من احتج وأعلن عن حقه في المطالبة بتطبيق نظام الفيدرالية واعتصموا على حدود الإقليم، رافضاً بحث مطالبهم ومناقشتهم واصفاً إياهم بالعملاء وواصماً إياهم بالخيانة الوطنية وهذا إتهام مباشر وصريح يعطي الحق للمتهم أن يقيم دعوى إثبات بالدليل القاطع أو الحصول على التعويض الذي يقضي به القاضي فهو من اطلاقاته . ولهذا لم يقم هذا المستشرّ بتفعيل القضاء حتى هذا التاريخ تحاشياً ودرءاً لقيام من يحاول مقاضاته .
إن الخطأ المميت الذي وقع فيه دعاة الفيدرالية أنهم قاموا بتمزيق صور المرشحين، والتهديد بمنعهم من الاقتراع، فوقعت حوادث حريق لبعض صناديق الاقتراع في عدة مراكز، أو سرقتها أو التظاهر في الشوارع الرئيسية وتعطيل حركة السير والطلاق الهتافات المعادية وعلى الجانب الآخر تمر بهم السيارات تقلّ المواطنين يرفعون أيديهم وتبرز سباباتهم الملونة بصبغة الاقتراع السوداء وعلم الاستقلال يرفرف وهم يهتفون عاشت ليبيا حرة، هنا استفز الشباب المغرّر به المتمنطق بالذخيرة الحية وعلى كتفه أو يده الكلاشنيكوف فيطلق ما يكفي من صليات من الرصاص الحي ليسقط الشهيدان لا لشيء سوى أنهما مارسا حقهما المكفول لهما كواجب واستحقاق وتلبية لنداء الوطن .
ولا أظن أبداً أن الذين ينادون بالفيدرالية هم الذين اغتالوا هؤلاء الشباب لأن ذلك ليس من أخلاقهم، لكن الذي حرض هذا الصنف من القتلة كائنين من كانوا ومهما تكن مرجعيتهم وانتماءاتهم هو :-
المستشرّ لص طفا عبر الجليد
ليس غيره، وليس بالأمر المباشر أو المكتوب، ولكن بالاستفزاز وبالاستثارة وبالاحتقار وعدم الاهتمام، والالتفات عن المطالب والفشل في استعادة السلاح من غير المرخص لهم، وللخبرة السابقة في التآمر في الغرف المظلمة ضد من لا يطيق معه صبرا حتى لو كان رئيس الأركان!
شيء من التاريخ
تابع : ليبيا تنتحب
وكانت ليبيا تنتحب فعلاً خلال الخمسينيات من القرن الماضي، كيف ذلك ؟ إنه على إثر تصفية المستعمرات الإيطالية وما أعقبها من إجراءات، صدر عن هيئة الأمم قرارات أولهما عام 1949 والثاني عام 1950 لتقرير استقلال ليبيا ووحدتها وذلك بعد فترة انتقالية مداها عامان .
وفي أثناء استمرار الإدارتين البريطانية والفرنسية في حكم البلاد خلال المدة الانتقالية، وإقامة المجلس الاستشاري لليبيا التابع لهيئة الأمم المتحدة بغية التمهيد لانتقال السيادة والإدارة إلى أيدي الليبيين، ظهرت نيات الدولتين (فرنسا وبريطانيا) في تعطيل قرارات الأمم المتحدة فخلقتا المصاعب في وجه المجلس الاستشاري لضمان سير الأمور في مصلحتهما، وجهدت كل منهما لتجزئة البلاد بالترويج للنظام الفيدرالي (الاتحادي) وذلك ضد رغبة الشعب الليبي بأجمعه، وضد قرارات هيئة الأمم المتحدة التي نصت بصراحة على الاستقلال والوحدة لجميع أجزاء البلاد الليبية .
ولقد وضح جلياً تنكر الإدارتين البريطانية والفرنسية للوحدة الليبية في إقامة هيئة – لم ينص عليها قرار هيئة الأمم – مؤلفة من واحد وعشرين عضواً (سبعة أعضاء عن كل ولاية) . وكان تأليف هذه اللجنة يعتبر مخالفة لأبسط قواعد الديمقراطية وأصول التمثيل الأولية وذلك لتفاوت عدد سكان الأقاليم الثلاثة بالكيفية التالية :
(طرابلس 800 ألف تقريباً، برقة 250 ألف تقريباً، فزان 40 ألف تقريباً) كان ذلك خلال العام 1950 (وكانت الأرقام أعلاه حسب تعداد وإحصاء 1938) وكانت نتيجة هذا الإجراء الشاذ أن تمكنت الإدارتان (البريطانية والفرنسية) من التدخل في كل ما حدث من تطورات بعد ذلك لتنفيذ قرارات هيئة الأمم، وذلك بأن تجاوزت لجنة الواحد والعشرين مهمتها التي قررها مجلس ليبيا وقصرها على بحث الكيفية التي يجري بها تشكيل الجمعية الوطنية التي نصت عليها قرارات هيئة الأمم لوضع دستور البلاد (مثل انتخابات المؤتمر الجارية في ليبيا حالياً في ظل المجلس الانتقالي) ولتقرير نظام الحكم لقد تجاوزت هذه اللجنة مهمتها بفضل تدخل الإدارات في طرابلس وفزان وبرقة، واغتصبت لنفسها حق تأليف الجمعية التأسيسية التي عرفت بجمعية الستين، لتؤلفها من ستين عضواً بنسبة متساوية من الأقاليم الثلاثة (20 عضواً عن كل إقليم) . 
جمعية الستين
انبثقت الجمعية التأسيسية (جمعية الستين) عن لجنة الواحد والعشرين (خلافاً لصلاحيتها)، لم تراع في تأليف هذه الجمعية التأسيسية (رغبة الشعب)، ولا رغبات أحزابه وهيئاته، واختير أعضاؤها من الأحزاب الاسمية التي كان الشعب يدعوها     بـ "أحزاب اللافتات" ومنها "حزب الاستقلال" الذي يرأسه سالم المنتصر وهم عمّ "السيد محمود المنتصر" أول رئيس وزراء لحكومة المملكة المتحدة بعد الاستقلال عام 1951، ولا يتجاوز عدد أتباع هذه الأحزاب أفراد قلائل لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين.
وعهد باختيار أعضاء الجمعية عن طرابلس أحد صنائع الاستعمار الإيطالي ثم البريطاني وهو المفتي الشيخ أبو الأسعاد، الذي يلقبه الشعب للأسف بـ (أبو اللسعات) ورجل الدين هذا، وللأسف أيضاً، هو واحد من الذين أصدروا فتوى بجواز بل بوجوب فرض الجنسية الإيطالية على الشعب .

لقد تجاوزت الجمعية التأسيسية مهمتها وذلك في  الأمور الآتية :
1- إعلان ملكية السيد إدريس السنوسي التي هي من حق مجلس الأمة المنتخب .
2- اختيار وتثبيت حكومة بمعاونة بريطانيا .
3- إصدار قرار والحاقه بالدستور يفرض الحكم الفيدرالي على البلاد .
4- وضع قانون للانتخابات فيه مآخذ وعيوب مقصودة مبينة لغايات وأهداف ظهرت نتائجها فيما بعد.
المرحلة الانتقالية
تميزت المرحلة الانتقالية بما ذكرناه من عيوب الإدارات المحتلة وتميزت بالدسائس والمؤامرات والاعتداء على الحريات كافة، والضغط على الأحزاب والهيئات الوطنية، وإيذاء المواطنين المخلصين في نفوسهم، وأهليهم، وأموالهم، وأملاكهم، ومناصبهم، وبالترويج للشائعات الانهزامية، وقتل الروح المعنوية لحركة المقاومة وتقريب الأشخاص المستعدين للتساهل والتعاون مع الأجنبي والتآمر على سلامة البلاد ومستقبلها وذلك بالرشوة والترغيب والترهيب، وسجن الأحرار ومطاردتهم ، ونشر الفساد.
مأساة الانتخابات
إنهار الأمل الأخير بإنقاذ البلاد حين جرت الانتخابات النيابية في 19 و20 فبراير 1952، فتدخلت الحكومة لا لتزويرها (فالتزوير تلاعب في فرز الأصوات واستخلاص النتائج) (كما حدث في الانتخابات التي جرت في مصر حالياً وإنجاح دكتور محمد مرسي بالقوة وهو من الأخوان المسلمين ويعمل لحساب المرشد محمد بديع وخيرت الشاطر وآخرين ضمن برنامج ممنهج وأمريكا على علم بأجندته) ولكن تدخلت الحكومة لفرض مرشحيها وقد فرضتهم فعلاً دون إجراء الانتخابات بالبنادق والقنابل والرشاشات، وكان الضباط والجنود الانجليز أول من يطلق النار على الناخبين عندما أصرّوا على ممارسة حقهم الشرعي في الانتخاب (مثلما جرى في شارع دبي يوم 8/7/2012 – لما أطلق الرصاص على طارق الفيتوري ومحمد منير امساعد لأنهما أصرّا على ممارسة حقهما الشرعي في الانتخاب، غير أن الذي أطلق عليهما النار كان ليبياً صرفاً وليس جندياً بريطانياً) والحمد لله على هذا فنحن بعد مرور اثنين وخمسين عاماً على أول انتخاب نجريه، فإننا لم نعد بحاجة إلى العسكري الأجنبي ليقوم بقتل   من يدلي بصوته من الليبيين ويمارس حقه في الاقتراع، فنحن نقوم بإطلاق الرصاص عليه وليس المستعمر – لأننا والحمد لله تحرّرنا وحرّرنا الوطن ولن نعود للقيود وذلك بتأميم عملية تأديب الناخبين بقتلهم – وذلك بعد طرد المستعمر الانجليزي والفرنسي والإيطالي !؟!؟
كان قانون الانتخابات بدعة في ذلك الوقت وأظنه حتى هذا التاريخ – بدعة في القوانين لما فيه من تعقيد وإبهام عجيبين ومخالفة لأيسر القواعد والأصول الديمقراطية والدستورية، وكانت الإجراءات التي تبعته مهزلة من مهازل الحكومة والإدارتين المحتلتين .
كانت الانتخابات بمثابة مجزرة، سقط فيها ما يزيد عن مائة قتيل وثلاثمائة جريح من الذين جاءوا لممارسة حقهم الانتخابي بسلامة نية وحسن قصد . كان ذلك في طرابلس عام 1952، لكن هنا في بنغازي بعد 60 سنة، سقط اثنان فقط والحمد لله، على يد مواطنيهم وليس الأجانب المستعمرين .
بعد ذلك تمادت الحكومة المحلية بمؤازرة الانجليز بعد أن فرضت إنجاح النواب فرضاً فقامت تنشر الطغيان والإرهاب فاعتقلت المدنيين من المواطنين الأحرار وزجت بهم في السجون التي ضاقت بهم وأخذت تبني لهم سجوناً جديدة، وقد بلغ عدد المعتقلين من المجاهدين الأحرار ومن زعماء البلاد وقادتها ما يزيد عن 3000 شخص ثم بعد ذلك أعلنت الأحكام العرفية واقتحم الضباط الانجليز في جنح الظلام منزل المجاهد الزعيم المعارض بشير السعداوي زعيم الأمة ورئيس حزب المؤتمر الوطني العام (حزب  الغالبية الساحقة) على غرار (حزب التآلف الوطني – للدكتور محمود جبريل) (بعد 60 سنة) – كانت تلك الحادثة يوم 22 فبراير 1952، وأرغمته مع رفاق من قادة الحزب على مغادرة البلاد .
ودامت ليبيا حرة
ودامت انتخاباتها بأقل خسارة  
                  ؛؛؛؛ وإلى اللقاء في الحلقة القادمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق