الأحد، 22 يوليو 2012

ليبيا تنتخب أم هي تنتحب


ليبيا تنتخب أم هي تنتحب
الحلقة الثالثة                                             بقلم : إبراهيم السنوسي أمنينه
21-7-2012  
يجب في بداية هذه الحلقة أن نربط بين ما ورد في صدر صفحتها الأولى من مقدمة ونبأ عن استشهاد اثنين من شباب بنغازي برصاص الغدر والجهالة ، وتساءلنا عمن هو المحرّض والمحفّز والذي أعطى الضوء الأخضر وأصدر التعليمات بالقتل وها نحن نجيب بشئ من التفصيل :
اليوم الخميس 19/7/2012م  ، وعند الظهر رأيت ملصقاً في ميدان البركة بالقرب من مدرسة طارق بن زياد للتعليم الأساسي – يحمل صورة المرحوم طارق عبد الفتاح – الذي استشهد كما ذكرنا آنفاً برصاص الغدر بالقرب من مدرسة الألويه الخضراء بشارع دبي منذ عشرة أيام مضت – ولفت انتباهي عبارة رثاء جاء فيها :-
( الشهيد طارق الفيتوري الذي اغتيل برصاص الفيدرالية ! )
وأنا أعتبر هذا الإعلان اسفافاً وتشويهاً للحقائق وبهتاناً وأدعاءً باطلاً مما يضطرني إلى أن أفتح ملفات أخرى لإلقاء الضوء لتوضيح جذور الأزمة ، ومن هم الذين يروجون لها ويشرفون على ترسيخها وصبّ الزيت في أتونها – أي الأزمة – وذلك لإذكاء نارها – ولكن ما هي الأزمة التي تسببت في قتل هؤلاء الشباب بدم بارد ؟
يبدو أن الفيدرالية ومشروع تطبيقها هي السبب في نشوء هذه الأزمة .
إن الفئة الضالة هي التي أطلقت مصطلح " الأزمة " على ما أدعوه أنا " بمقترح الانفراجه " فهي بالفعل عودة للروح ، وثورة لتحقيق الذات بلا دماء ، واستعادة لحقوق كانت قد غُمطت، وشخصيات هُمّشت ، وثروات نهبت ، وشخوص نُفيت ، وأرواح أُزهقت لا تعرف بأي ذنب قتلت .
وأنا أشهد أنني من المنادين بها وبكل حماس والداعين لتطبيقها في ليبيا بدون تأخير فقد عشت في أكنافها واستظلت بفيئها وأمنت بأمنها زهاء اثنتي عشر عاماً ، أي منذ ديسمبر 1951 إلى نوفمبر 1963 ثم بعد ستة أعوام أي في العام 1969 أتى أمر الله وجاء الطاغية الذي اعتبرت حكمه امتداداً شديداً المرارة لحكم المركزية الظالمة الجائرة والمستغلّة الذي أتيا به إلينا كل من الدكتور محيي الدين فكيني وهو من الجبل الغربي والسيد محمد عثمان الصيد وهو من أهل فزان وكلاهما كان رئيساً لوزراء المملكة الليبية في وقت من الأوقات، وكان وراء ذلك مخطط سيئ النية ورديئ الهدف والمقصد تأتي آثاره المدمرة بعد أمد ، فلا أتاهما الله بخير !! وكنت آنذاك قد تخطيت الرابعة والعشرين من عمري بشهرين ، ولقد تخطيت اليوم السبعين بعامين .
والحاصل هو أنني كنت قد كتبت عن النظام الفدرالي المتبع في أقطار مثل الولايات الأمريكية المتحدة وألمانيا وسويسرا وأستراليا كأمثلة وليس بالضرورة حصرياً وذلك في 7 حلقات ولم يكتمل موضوعها بعد . كتبت عن نشوئها ووجوه تطبيقها والضرورات القائمة لذلك كأفضل اختيار لشعوب تلك الأقطار ، ويمكن للقارئ الكريم أن يطلع على ما نشر منها على المدونة المبيّن موقعها على الصفحة الأولى من هذا المقال .
وعوداً على بدء : من الذي حفّز وحرّض على قتل هؤلاء الشباب ؟
1- أنه هو الذي لم يضع دستوراً ليقترع عليه الليبيون قبل الشروع في الانتخابات المحلية والنيابية والرئاسية ، ليكون نبراساً يسير الشعب الليبي في ظله وحماه رغم مضي سبعة عشر شهراً على قيام ثورة 17 فبراير ، وتسعة أشهر على سقوط النظام ورأسه .
ذلك رغماً عن إمكانية تنقيح دستور 1951، والعمل به مع الاعتراف بأن الليبيين لا يجدون غضاضة في ذلك بل يرحبون بالفكرة لأن واضعي ذلك الدستور لا نظير لهم ولا منافس ولا مقارع في العلم والتجربة والقانون ، والمقصود من التنقيح هو جعله متماشياً مع بعض المتغيرات الطارئة بمرور الزمن وهي : في غالب الأمر ظاهرية ولفظية لا تمس الجوهريات ،ونحن لا نرى بأساً في أن نسوق موجزاً مقتطفاً لكنه مستوفياً بصفة إجمالية :-
فالفصل الأول من الدستور يعين شكل الدولة ونظام الحكم فيها فيقرر استقلال ليبيا وحريتها وسيادتها في (المادة 1) ويعيّن أنها ملكية اتحادية ذات نظام نيابي وتسمى المملكة الليبية المتحدة في (المادة 2) وأن أقاليمها الثلاثة برقة وطرابلس الغرب وفزان هي ولايات (مادة 3) ويعلن أن الإسلام هو دين الدولة (مادة 5) .
فإذا إنتقلنا إلى الفصل الثاني وجدناه يتحدث عن حقوق الشعب . فالليبيون لدى القانون سواء ، ويتساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية ، وفي الإفادة من الفرص ، وفي القيام بالواجبات والتكاليف العامة ولا يجوز التمييز بين الليبيين في هذه المسائل بسبب الدين أو المذهب أو العنصر أو اللغة (مادة 11) كما يكفل الدستور الحرية الشخصية (مادة 12) والمتهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته (مادة 15) والقانون هو الذي يعيّن وسائل التحقيق والإدانة (مادة 16) ويكفل الدستور حرية الاعتقاد إطلاقاً وإحترام جميع الأديان والمذاهب والأجانب المقيمين في أراضي الدولة    (مادة 21) وحرية الفكر والإعراب الحر عن الآراء وإذاعتها ونشرها (مادة 22) ومن الحقوق المقررة لليبيين التعليم على أن يكون مجانياً في درجتيه الأولى والابتدائية وإلزامياً في دورته الأولية ، والحرية في التعليم واضحة (مواد 28-29-30) والدولة تعمل على أن يتوفر بقدر الإمكان ولكل ليبي مستوى لائق من المعيشة له ولأسرته (مادة 35)
أما الفصل الثالث فيحدد اختصاصات الإتحاد الليبي (يعني النظام الفدرالي) أي التي يشرّع الاتحاد الليبي لها وينفذها .
والمسائل الأولى موضحة في (المادة 36) وتشتمل على الشئون المالية والخارجية والدفاعية والتجارية والقروض الخارجية وقضايا المهاجرة والجنسية والأحكام العرفية والمواصلات العامة والتعليم العالي ، أما الشركات والبنوك والثروات والموازين والمكاييل وإحصاء السكان وتعيين مراكز النقل البحري والجوي ونظام التعليم العام والآثار ، وأمور أخرى من هذا النوع فهي اختصاصات مشتركة (مادة 38) .
أما الفصل الرابع يقرر أن السيادة للأمة وأنها هي مصدر السلطات (مادة 10) ويعالج سلطات الملك وأسلوب التوريث والوصاية وتفاصيل حقوق الملك في المواد (45-57-60) وسلطته في إعلان الحرب وعقد الصلح وإبرام المعاهدات والتصديق عليها بعد موافقة مجلس الأمة (في المادة 69) والوزراء يعيّن لهم الفصل السادس كل ما يحتاجون إليه من قواعد وأسس عامة فمجلس الوزراء يجب أن يكون أعضاؤه ليبيين (مادة 81) ولا يجب أن يكون فيه من أعضاء البيت المالك أحد (مادة 82) والوزراء مسئولون أمام مجلس النواب مسئولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة وكل منهم مسئول عن أعمال وزارته (مادة 86) .
ويبحث الفصل السابع في مجلس الأمة يعني الشيوخ والنواب - لكل ولاية ثمانية (مادة 94) نصفهم يعينهم الملك ومجالس الولايات التشريعية تعين النصف الآخر (95) ومدة العضوية ثمان سنوات ، على أن يجدد اختيار النصف كل أربع سنوات (مادة 98) . أما مجلس الشيوخ الأول فيعينه الملك لأربع سنوات من تاريخ انعقاد مجلس الأمة الأول (مادة 207) . أما مجلس النواب فأعضاؤه منتخبون (مادة 100) على أساس نائب واحد عن كل عشرين ألف ناخب (مادة101) وفي الانتخابات الأولى لمجلس النواب التي يجب أن تتم في مدة لا تتجاوز أربعة شهور ونصف من تاريخ إصدار الدستور (مادة 204-205) ويكون لولاية برقه خمسة عشر نائباً وولاية طرابلس خمسة وثلاثون نائباً وولاية فزان خمسة نواب (مادة 206) .
وسمح الدستور للملك ولمجلسي النواب والشيوخ حق إقتراح القوانين عدا ما كان منها بالميزانية أو بوضع الضرائب أو بتعديلها أو الإعفاء منها أو من بعضها أو إلغائها – فاقتراحه للملك ولمجلس النواب (مادة 138) أما القضاء وتنظيمه هو موضوع الفصل الثامن وفيه أن القضاة مستقلون ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون (مادة 142) كما ينص على إنشاء المحكمة العليا الاتحادية ويعين صلاحيتها مواد (143-151) ومنها أن للملك إحالة مسائل دستورية وتشريعية هامة إلى المحكمة العليا لإبداء الرأي فيها وللمحكمة النظر في الموضوع وإبلاغ فتواها للملك مع مراعاة أحكام الدستور (مادة 152) .
ينص الفصل التاسع ، المختص بمالية الإتحاد ، على أن تكون مناقشة الميزانية وتقريرها في مجلس النواب أولاً (مادة 161) .
أما الفصل العاشر فيتناول شئون الولايات من ناحية الإدارة ، ويحدد علاقتها بالاتحاد (مواد 176-185) .
والفصل الحادي عشر من الدستور يعدد أحكاماً عامة تتعلق باللغة الرسمية للدولة وهي اللغة العربية (مادة 186) وضمانة الدولة لغير المسلمين ووضع نظام بأحوالهم الشخصية (مادة 192) .

                                                                        ؛؛؛؛ وإلى اللقاء في الحلقة القادمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق